من فمك ندينك
كثيرا ما توقفت عند خطابات وتصريحات بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية ، وكنت أحدث نفسي هل أن سورية لم تستطع أن تجد رجلا محنكا غير هذا العبقري حتى يدير دفة الحكم في سوريا، وهل هذا الرئيس قادر على العمل السياسي ، وهل هناك منطق سياسي يتعامل فيه مع أزلامه قبل معارضيه، وهل يمتلك أبسط مبادئ العمل السياسي ، فمن بديهيات العمل السياسي أن يكون للرئيس برنامجا سياسيا يتم انتخابه على أساسه ،
ومن بديهيات العمل السياسي أن يتم اختيار الحكومة على أساس برنامج عمل معلن يتم محاسبتها عليه من قبل الشعب ، وطبعا كل ذلك غير ممكن ، لذلك يلجأ الأسد دائما إلى استخدام مبادئ الحكم التي ورثها عن أبيه ، وذلك بفرض الحل الأمني ، فهو بارع في استخدام وسائل الردع العسكرية ، ولا يتوانى عن تخطي أية محظورات قانونية أو إنسانية تخالف القوانين الدولية المرعية في هذا الشأن ، والسؤال هنا : هل يستطيع هذا النظام الاستمرار باعتماد طريقة معالجة الأزمات على نمط ( 1982م) ؟ ، وهل ستنجح هذه المعالجة في تثبيت حكم الأسد الابن كما ثبت حكم أبيه، لعشرات السنين القادمة لا سمح الله؟ .
الأسد وأزلامه يعتمدون على عاملين رئيسيين في أيديولوجيتهم تلك :
- الأول عامل ذاتي : ينبع من فشل المنطق السياسي، واستعداء الآخر، وبالتالي فكل الشعب السوري هو عدو محتمل متى ما خالف الأسد ، وبمنطق العصابة : فكل عدو مباح قتله ، لأنه يشكل تهديد على هذا الكيان ، لذلك هو يدور في دوامة العنف .
- العامل الثاني هو خارجي : فمنظومة المصالح التي يرتبط بها الأسد ومحازبيه ، في الخارج تشكل رافعة لكل عمل يساعد الأسد في البقاء على الكرسي ، مهما كان الثمن الذي سوف يتحمله الشعب في الداخل .
لكن الغرب الغير مستعد لمواجهة كتلة المصالح المتضاربة ، استطاع حل بعض رموز شفرة الأسد ، واكتشف سر ديمومة الأسد على سدة الحكم في سورية ، والتقط هذه الشفرة من فم الأسد نفسه حين صرح في لقاءه بجمعية مسيحيي الشرق بتاريخ 26/9/2011م أن (( التحدي الأمني لم يعد كبيرا، ولعل التحدي الاقتصادي أكبر منه)).
لذلك لجأ إلى سلسلة العقوبات الاقتصادية من خلال حصار المجموعات المتنفّذة داخل الدائرة الضيقة لسلطة القرار الأمني والسياسي . وهي مدركة أن النتائج لن تأتي سريعة كما يريده الشعب الثائر ، فالشعب لا يمتلك الثمن المباشر ليدفعة ، كما هو الحال عند الشعب الليبي ، وطبعا عملية تصعيد العقوبات بشكل تدريجي أجبرت النظام للانتقال إلى موقع الدفاع ، على عكس الحل الأمني والذي ما زال فيه النظام في موقع الهجوم ، ولكن الحلول الدفاعية التي لجأ إليها النظام على الصعيد الاقتصادي، سوف تودي به إلى النهاية لا محالة ، وهي بمثابة انتحار كامل، تعيد المجتمع السوري الى البدائية لأنها سوف تعيده الى المربع الأول في عصر التقانة، فكل خطوة يتخذها النظام يكون لها رد فعل معاكس على المستوى الدولي، يزيد من التأثير السلبي على الاقتصاد .
- فالنظام عندما اتخذ قراره بمنع الاستيراد رد عليه الخارج بمنع استيراد البضائع السورية لضرورة المعاملة بالمثل ، وبالتالي خسر النظام مرتين مرة بعدم استفادته من السلع الضرورية الرخيصة ، ومرة بمنع التاجر السوري من تصدير بضاعته و تحصيل دخل للبلد.
- أيضا النظام عندما لجأ إلى طباعة العملة المحلية في المطابع الداخلية وفرضها على المواطنين السوريين ، قصد بهذا الإجراء عزل العملة السورية عن المعادلة مع العملات الأخرى ، وبالتالي هو حافظ على سعر صرف وهمي لليرة ، مع تصاعد وتيرة تضخم غير مسبوقة في أسعار البضائع الداخلية وخاصة ذات المنشأ الخارجي .
- وكان قبل ذلك قد لجأ إلى خفض سعر مادة الديزل في محاولة منه لامتصاص ثورة الشعب، وبنفس الوقت ألغى دعم المازوت ، وخفّض كميات المخزون الاستراتيجي بسبب العقوبات المفروضة عليه، والعمليات العسكرية التي يقوم بها في كافة المناطق السورية ، الأمر الذي انعكس سلبا على عملية إمداد محطات الوقود بالديزل ، مما جعل سعر الليتر يتضاعف ثلاث مرات عن سعره الرسمي ، بسبب شح المادة في السوق ، والبلاد قادمة على شتاء قارس تتزايد معه كمية الاستهلاك.
- ففي عصر المعلومات لا يستطيع الأسد أن يخترع معلومات وهمية يقنع بها الآخرين ، ولم يبقى له إلا أن يعترف أن مشكلته الحالية هي إقتصادية بإمتياز ، لأن أخلاقه تسمح له باستخدام كافة صنوف السلاح التي كان من المفترض أن يستخدمها في مواجهة عدو خارجي ، كنا طوال السنيين السابقة نظن خطأً أنه يعد العدة لتحرير ما سلب من الأرض السورية، أما المعركة الحقيقية التي يخوضها فلا يمتلك هو كل مفاتيح اللعب فيها ، وإن كنا لا ننسى ما فعله الأسد الأب في الثمانينات عندما كنا نصطف طوابير للحصول على قوتنا اليومي من المواد التموينية الأساسية ، وهذا باعتقادي ما سيعود إليه النظام في المرحلة المقبلة ، إن كتب له البقاء مجددا .
- لذلك على الشعب السوري الاختيار بين حلين لا ثالث لهما : إما الاستمرار في الثورة بكل ما فيها من أثمان باهظة وانتظار ما تجود به علينا الأمم المتحدة ومجلس الأمن من قرارات لا طعم ولا رائحة فيها ، وإما أن يأخذ زمام المبادرة ويقتلع شوكه بيده ، فيدي لا بيد عمر .
الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق