الأحد، 19 فبراير 2012

الهجوم الأخير للأسد جيفري وايت / باحث في الشؤون الدفاعية في معهد واشنطن




"في الوقت الذي يواصل فيه النظام السوري هجومه الأخير ينبغي على المجتمع الدولي أن يستغل نقاط الضعف العسكرية لهذا النظام من خلال اتخاذ إجراءات تساعد على تمهيد ساحة المعركة وتغيير البيئة النفسية وزيادة الضغط على الأسد وقواته".

فما بدأ في مارس 2011 كمحاولة لقمع مظاهرات سلمية مناهضة للحكومة قد تحول إلى حرب يشنها الآن بشار الأسد ضد جماعات مسلحة والشعب السوري بعزم تام وعنف مفرط. وعند النظر إلى الصراع بوصفه قضية حياة أو موت يقوم النظام بتصعيد استخدامه للقوة العسكرية مع استخفاف شبه تام بآراء العالم الخارجي.


ومنذ أواخر الشهر الماضي يستخدم النظام مزيجاً من التدابير الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية للقيام بهجوم كبير ضد "الجيش السوري الحر" والمعارضة الشعبية والمناطق التي يسيطرون عليها. وبفعله ذلك فقد أبان عن نقاط قوته ونقاط ضعفه مشيراً بذلك إلى مجالات التركيز لأي تدخل دولي عسكري محتمل. وفي النهاية فإنه بدون التدخل العسكري أو المساعدات العسكرية الكبيرة لـ "الجيش السوري الحر" أو كليهما فإن أفضل السيناريوهات التي يمكن تأملها هو حرب استنزاف طويلة ودموية تكون نتائجها غير مؤكدة.

* أهداف الهجوم:

في الوقت الذي تجلت فيه المعارضة الشعبية من خلال المظاهرات المتواصلة، فإنها قد استمرت عبر أنحاء البلاد مع تزايد الاضطرابات في حلب وضواحي دمشق. كما اتسعت أيضاً المقاومة المسلحة وزادت أعداد وقدرات أفراد "الجيش السوري الحر" القتالية والمجموعات المسلحة المرتبطة به مثلما زادت وتيرة وحدة الاشتباكات المسلحة في منطقة دمشق ومحافظتي إدلب ودرعا. وهذه العوامل إلى جانب خسارة الأرض لصالح المعارضة قد أعطت انطباعاً بتفكك سيطرة النظام على الموقف. وقد واجهت قوات الأسد مشاكل داخلية متصاعدة:

تقارير متزايدة عن الانشقاقات تشمل جنوداً معهم مركبات مدرعة.

انشقاقات من وحدات أمن النظام الرئيسية، بما في ذلك الفرقة الرابعة.

ما تردد عن فقدان الروح القتالية في صفوف بعض القوات.

انخفاض في الاستعدادات العملياتية -سواء بين الرجال أو المعدات- النابعة من درجة الوتيرة العملياتية العالية التي اضطر النظام لمواصلتها رداً على اتساع رقعة المعارضة.

وفي الوقت نفسه، فقد لعبت بعض الظروف لصالح النظام، حيث غادر مراقبو الجامعة العربية البلاد، وبذلك مهدوا الطريق لعمليات أكثر عدوانية. كما أن الاستجابة الدولية للموقف ظلت في غالبها غير فعالة ومقتصرة على التدابير الدبلوماسية والاقتصادية واستبعاد استخدام القوة. وما يزال الأسد يحظى بمساندة كاملة من روسيا وإيران، مما يوفر له دعماً سياسياً وعسكرياً في حين يمنع ذلك اتخاذ أي إجراء دولي فعال.

ويبدو أن لهذا الهجوم عدة أهداف. أولاً، من المرجح أن يأمل النظام في الحدً من الزخم الذي اكتسبته المعارضة في ديسمبر ويناير. ثانياً أنه يهدف إلى تقليل التهديد الآتي من "الجيش السوري الحر" بقتل قادته في سوريا وإنهاك أفراده وكسر قبضته على المناطق الحضرية. ثالثاً، يراهن النظام على الأرجح على تمزيق الرباط المتنامي بين الشعب و"الجيش السوري الحر". رابعاً أنه يسعى لاستعادة المناطق التي فقدها لصالح "الجيش السوري الحر" والمعارضة الشعبية. وخامساً أنه يشعر على الأرجح بأنه مضطر لطمأنة موسكو وطهران بأنه ما يزال مسيطراً على الموقف.

* الإستراتيجية والعمليات:

رغم أن لدى النظام عدداً ضخماً من القوات -ما يصل إلى عدة مئات من الآلاف من العسكريين وقوات الأمن، وفقا لأرقامهم- إلا أنه ليس بمقدوره القيام بهجمات واسعة النطاق على مستوى الفرق أو الألوية المتعددة في كل مناطق الاضطراب في وقت واحد. وفي المناطق التي يتركز فيها "الجيش السوري الحر" بكثافة يستخدم الأسد قوات كبيرة تجمع بين المدرعات والمشاة والمدفعية.

 وقد تكشّف الهجوم الحالي في مراحل، أولها تلك التي بدأت في 25 كانون الثاني/يناير وشملت استعادة ضواحي دمشق (دوما وسقبا والغوطة) ومناطق أخرى قريبة نسبياً من العاصمة إما خرجت عن سيطرة النظام أو تنذر بذلك. وقد استخدم الأسد ما يصل إلى 20000 جندياً في هذا الهجوم، بما في ذلك من "الحرس الجمهوري" والفرقة الرابعة اللذين يمثلان "النخبة". وفي المرحلة الحالية يعمل النظام على محو مراكز المقاومة المهمة والبارزة وخاصة في حمص والزبداني. وأما المرحلة التالية فسوف تركز على الأرجح على تقليل المقاومة المسلحة في محافظتي إدلب ودرعا حيث يستطيع النظام حشد القوات في تلك المناطق.

* التكتيكات:

تستخدم قوات النظام أساليب تطابق أهداف الهجوم وتشمل العزلة والحصار والقصف والغارات. وتشمل العزلة تطويق منطقة مستهدفة بقوات قتالية وقطع الخدمات الأساسية (المياه والطعام والكهرباء والاتصالات) والاتصال الخارجي، ثم قصف المنطقة بأسلحة ثقيلة. ويكون الهدف من القصف هو إحداث إصابات (عسكرية ومدنية) وتقليل عزم وقدرة المعارضة على المقاومة وتمهيد الطريق للقيام بغارات برية، وفي النهاية توجيه الهجوم بالمدرعات والمشاة.

وتهدف الغارات إلى قتل أو أسر أفراد "الجيش السوري الحر" واعتقال شخصيات المعارضة واحتجاز المحتجين وإضعاف المعارضة. ويتم تنفيذها مراراً في مناطق لا تكون للحكومة فيها القوات الكافية للقيام بهجوم منسق. وحالياً يتم استخدام هذا التكتيك بكثافة في محافظات إدلب ودرعا ودير الزور.

والغارات هي عمليات هجومية ضخمة (على نطاق ألوية وفرق متعددة) تهدف إلى نزع السيطرة عن منطقة يتواجد فيها "الجيش السوري الحر". وقد نفذ النظام هذا النوع من الغارات في منطقة دمشق خلال المرحلة الأولى من الهجوم ومهد الطريق لبذل جهود مماثلة في حمص والزبداني حيث قامت قوات النظام هناك بالقصف والمداهمة.

ومع ذلك لم يستخدم النظام بعدُ كامل ترسانته، إذ يتحاشى أنظمة معينة في المدفعية الثقيلة (الصواريخ والقذائف) والطائرات القتالية (بما في ذلك مروحيات هجومية) وعناصر كيماوية قاتلة. (وما تردد مؤخراً عن استخدام غاز الأعصاب في حمص هو أمر غير مؤكد.) وعلى الأرجح هو أن الأسد معنيٌّ برد الفعل الدولي [إن هو لجأ] إلى استخدام الطائرات (واضعاً بالحسبان ما حدث في ليبيا) والأسلحة الكيماوية الفتاكة ضد مدنيين عزل. وهذه الأسلحة متوفرة بكثرة لدى النظام ويمكن أن يختار استخدامها لو بلغ اليأس به مداه.

وفي الحقيقة، فإنه لو فشل الهجوم الحالي في تحقيق أهدافه واستمرت المقاومة في النمو، فمن المرجح أن يلجأ النظام إلى المدفعية الثقيلة والطيران الحربي، بل ولا يمكن استبعاد استخدامه لأسلحة كيماوية فتاكة.

* حساب التكاليف:

من حيث تحقيق أهدافه، حقق النظام نجاحاً محدوداً خلال الهجوم الحالي. فقد تحملت تشكيلات "الجيش السوري الحر" المقاتلة بعض الخسائر في صفوف قادتها وأفرادها، وفي الوقت نفسه استطاعت قوات النظام -على الأقل مؤقتاً- قمع المعارضة المسلحة في بعض المناطق وعززت السيطرة في أخرى (على سبيل المثال، أجزاء من حمص وضواحي دمشق القريبة). غير أن هذه المكاسب قد أُحرزت بتكلفة عالية سواء بالإصابات أو بالدمار ومن دون إظهار أن باستطاعة النظام تطهير المناطق والسيطرة عليها لفترة أطول من تلك التي يسيطر فيها الجنود على المنطقة.

وعلاوة على ذلك، فإن جيش الأسد بدأت تظهر عليه علامات الإجهاد، كما أن الاستخدام المتزايد لمدفعية الميدان يشير إلى أن الغرض هو قتال "الجيش السوري الحر" على مسافات قريبة في بيئات حضرية صعبة. ويبدو أيضاً أن هناك قلقاً من قدرات "الجيش السوري الحر" المضادة للدبابات. وبالإضافة إلى ذلك فإن القوات البرية قد أظهرت ما يدل على انحدار الروح القتالية مع ورود تقارير عن وجود وحدات مشاة غير راغبة في التقدم أو التراجع عن الاحتكاك ما لم ترافقها المدرعات.

* دلالات:

كما ذُكر آنفاً أصبحت الحرب مسألة بقاء لنظام الأسد، وهي تقترب من الحد الأعلى للعنف الذي تستطيع توظيفه. هذا وإن لم تكن قد أصبحت بعد "حرباً شاملة" إلا أنها ربما تصير كذلك قريباً، مما قد تترك تداعيات مدمرة على السكان.

وأما مفاتيح عمليات النظام العسكرية المستمرة فواضحة وهي: القدرة على شن عمليات منسقة على نطاق واسع والقدرة على تحريك القوات كيفما يشاء والقدرة على استخدام نيران ثقيلة. وفي الوقت نفسه فإن لدى قوات النظام نقاط ضعف حقيقية في القتال في المناطق الحضرية القريبة وفي عجزها عن تدمير عناصر "الجيش السوري الحر" وفي حاجتها إلى القتال في العديد من المواقع في وقت واحد.

ولو لم يكن التدخل العسكري المباشر خياراً، فإن هذه العوامل تُوحي بالعديد من طرق تقديم مساعدات عسكرية لـ"الجيش السوري الحر". فعلى سبيل المثال يمكن للولايات المتحدة وعناصر دولية أخرى أن تعطي "الجيش السوري الحر" الوسائل لتعطيل منظومة الاتصالات العسكرية للنظام مثل استهداف المعلومات أو الوسائل المادية لقطع خطوط الاتصالات. ويمكن أيضاً أن تُستخدم تقنيات وأسلحة (مثل الألغام وأجهزة التفجير الأخرى) لتعطيل الحركة عبر الطرق. وللتعامل مع مدرعات النظام ومدفعيته يمكنهم كذلك توفير قذائف هاون وأسلحة مضادة للدبابات.

كما أن المزيد من الذخيرة والأسلحة الصغيرة يمكن أن يساعد على تحقيق التوازن أمام الميزة العددية لدى النظام. وسوف تساعد هذه الإجراءات على تمهيد ساحة القتال وتغيير البيئة النفسية وزيادة الضغط على الأسد وقواته. وفي النهاية فإنها يمكن أيضاً أن تنقذ الأرواح من خلال كبح عمليات النظام وربما تقصير أمد الصراع.
موقع الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات: