بعد احتدام المعارك ووصولها الى نقطة مفصلية ربما يكون لها تأثير مباشر على
مجرى العمليات في مدينة حلب ، سارع مقاتلوا عصابات الأسد إلى طلب الهدنة كما
طلبوها في مدينة الزبداني لاصلاح الخلل الاستراتيجي في توزيع الافراد والعتاد ،
وخاصة مع أنباء تفيد أن الجيش السوري الحر يكاد يحصل على كمية من الذخائر والأليات
المقاتلة من خلال بسط سيطرته على المدينة الرياضية في ملعب الحمدانية ، وبالتالي
سوف توفر هذه العملية امدادا لوجستيا كبيرا في الأيام القليلة القادمة من عمر
الثورة . وبعد معاينة لصيقة للخبراء الامريكان للوضع المزري لقوات الأسد سارعت
الماكينة السياسية والاعلامية لاعلان دعمها للاسد عبر وزير الدفاع الأمريكي خلال لقاءه
مع الصحفيين أثناء زيارته لتونس البارحة.
بأنهم ( لن يسمحوا بإسقاط الدولة في سورية كما حدث في العراق ) و المقصود
العملي من قولهم هذا أنهم لن يسمحوا بإسقاط نظام بشار.
وبالتالي فإن أمريكا قد كشرت عن أنيابها ونزعت قناعها وبدأت تظهر مواقفها العلنية
بعد أن تبينت أن كفة الجيش السوري الحر قد شارفت على الرجحان، وبدأت بسط سيطرتها وقوتها
على الأرض، وبالتالي فإن زمام المبادرة - التي كانت أمريكا تدير به العمل المسلح
داخل سوريا والتي فرضت من خلاله نوع من توازن اللاغالب ولا مغلوب حتى تحقق مبتغاها
من انهاك كلا الطرفين بداية ومن ثم فرض الحلول المعلبة التي تدبر في الخفاء - بدأ
بالافلات من يدها بعد حصول الجيش الحر على مستلزماته القتالية بنفسه ، وبدء تخليه
رويدا رويدا عن دعم الغرب المفقود اصلا، (فأمريكا عمليا بتحكمها بنوعية السلاح
المسموح به في المعركة؛ تشرف دوليا على حماية نظام بشار؛ وكل من يصدق تصريحات وزارة
الخارجية الأمريكية المبتذلة يكون غير مدرك للواقع ، ولا يعرف حقيقة ما يحصل على الأرض،
لأنه عمليا كل التصريحات الغربية هي داعمة للأسد ونظامه، سواء في منحها مهل القتل
، أو منع تسليح المعارضة بالسلاح النوعي الفعال الذي يحيد الطيران والدبابات
الحديثة عن ساحة القتال وقصف المدن ، أو من خلال لجان المراقبة ومبادرات كوفي عنان
التي لم تؤتي أُكُلَها حتى هذه اللحظة، وما نسمعه من نقد لنظام الأسد ما هو إلا تلميع
صورة الدول التي تدعي أنها داعمة للحريات وهي للاستهلاك الداخلي فقط، وتدخل في
إطار تبادل الأدوار والصفقات بين روسية و أمريكية ..
وإلا لماذا بعد كل تصريح لأمريكا يزداد التدمير والقصف على المدن بالطيران الحربي
!..
فلو أرادت أمريكا والغرب معها أن يتوقف بشار عن القتل لتوقف منذ زمن بعيد، ونحن
لاننسى في عام 2005م عندما قالوا له اخرج من لبنان كيف هرول مسرعا لتلبية طلباتهم
دون اي تحفظ ، لكن الحقيقة أن أمريكا هي التي تحمي النظام لكن بأقنعة روسية إيرانية،
وهذا جزء من تبادل الأدوار والمصالح الغير معلن لا غير.
اليوم يطالب الغرب المعارضة بتشكيل
حكومة انتقالية تحسبا من الانهيار المفاجئ لنظام بشار ، وخوفا من دخول سوريا في
الفراغ السياسي المدمر لكل شيء، لكن المؤسف أن المعارضة المتمثلة بالمجلس الوطني
غير مهيئة بعد لتلبية طلبات الثوار والتي لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تكون على قدر
المسؤولية التاريخية ، خاصة في ابتعادها عن استقطاب العناصر الفاعلة في العمل
الثوري سواء داخليا أو خارجيا ، وهذا ما جعل يدها مغلولة؛ وأفقدها أدوات العمل السياسي
الحقيقي؛ و أخل بمستوى الثقة المطلوب عند الدول الراغبة في المساعدة ، لذلك نراهم
يلفون العالم شرقا وغربا ؛ شمالا وجنوبا دون جدوى.
وبعد فقدان زمام المبادرة من يدهم واستلابها من قبل المجلس الثوري بدؤا يتغنون بالاولويات ..وينادون بتطهير البلد من الاسد
وجراثيمه أولا ...لانهم أدركوا أن القرار سيكون اولا وأخيرا بأيدي الثوار ...
اليوم غير... فبعد ان طلبت العصابات الاسدية هدنة عن طريق الصليب الأحمر ورفضها
ابطال الجيش الحر.
وبعد الانكسار الواضح في معنويات عصابات الأسد.
وبعد تطهير كافة مخافر حلب من العصابات الأسدية وشبيحة آل بري ...
وبعد تقدم الثوار نحو ملعب الحمدانية الذي ترابض فيه الدبابات والمجنزرات
والعتاد ؛ لتحريرها.
اليوم غير ...لأن النصر سوف يأتى على
يد الثوار وبمجهودهم الفردي ، وإذا ماتحقق النصر بإذن الله فسوف ينقسم ظهر النظام في
حلب.
اليوم غير لأن ايمان المقاتلين بالنصر أصبح حقيقة ، فهم يبذلون أرواحهم في مرضاة
الله وطلباً لحريتهم .
اليوم غير لأن الثوار منذ ما يقارب العام و نصف لا يأبهون بأبطال الفنادق
الذن يتهافتون على عقد المؤتمرات التي لا تغني و لا تسمن.
و الآن بدأوا بالتهافت على تشكيل الحكومات الانتقالية ....
فكم حكومة انتقالية سيتم تشكيلها و من فوضهم بذلك ؟.
وهل يعلمون ما يحدث في سورية كل يوم ؛ حيث يتم تدمير الوطن و مقدراته و التعدي
على حرماته و المآسي و المجازر و الإجرام و القتل و تدمير الأحياء السكنية و التخريب
و النهب و السرقة و الاعتقالات و دهم الأحياء الآمنه و مواجهة المظاهرات السلمية بالرصاص
الحي؟.
فمن كان منهم على قدر المسؤولية فليأتي وليباشر عمله الثوري ومن كان غير
ذلك فليختبئ خلف ستار التاريخ لأنه لن يرحمه فاليوم غير.
الدكتور
حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق