الأربعاء، 29 أغسطس 2012

سوريا والسيناريو الأسوء د. حسان الحموي



الأطراف الخارجية ترى السيناريو الأسوء لسوريا من زوايا متعددة فجلالة الملك عبدالله الثاني يرى السيناريو الأسوأ في سوريا هو اندلاع حرب أهلية شاملة، «يصبح عندها من المستحيل النجاة من الانزلاق نحو الهاوية».
هذا ما أكده في مقابلة أجراها مقدم برنامج (غرفة الحدث) في محطة التلفزة الأمريكية (سي إن إن)، وولف بلتزر، «ما أراه وأنا أتابع تطورات الوضع منذ آخر ثلاثة أسابيع أن العنف قد وصل إلى مرحلة تتقاتل فيها المجموعات المختلفة في المجتمع السوري وتهاجم بعضها إلى حدٍ أصبح عنده من المحتمل تطور الوضع إلى حرب أهلية شاملة».
أما واشنطن فهي تتحضر لحدوث السيناريو الأسوأ بالنسبة لها وهو وقوع أسلحة الدمار الشامل بيد الإرهابيين ( حسب زعمها ) عند سقوط نظام الظلم والاستبداد ، لأن الفوضى ستكون عنوان تلك المرحلة ( أيضاً حسب زعمها) ولأن “الإرهابيين” باتوا يسيطرون على 70% من الأراضي السورية .
ولأجل ذلك تناقش واشنطن الآن هذا السناريو المحتمل مع حلفاءها، وتعتبره الأسوأ إذا حدث ،لأنه يتطلب منها نشر عشرات آلاف من القوات البرية لتأمين مواقع تلك الأسلحة المفترضة بعد انهيار وشيك لنظام الأسد؛ وتفكك قواته مما يجعل هذه الأسلحة عرضة للنهب حسب زعمهم.
وأسوء سيناريو تخافه واشنطن هو الانهيار المفاجئ للأسد وقواته (وطبعا قبل مضي أشهر الانتخابات الأمريكية الثقيلة) ، وهي لا ترغب بذلك ولا تدعمه ، فجل همها هو الحفاظ على أمن حليفها (الكيان الصهيوني) من خطر احتمال وقوع بعض الأسلحة البيولوجية والجرثومية بأيد لا تعتبر صديقة لهذا الكيان.
الأسد ونظامه لا يزالان يريان في الثورة السورية مجرد أزمة و حدثًا عابرًا يمكن تخطِّيه دون تقديم تنازلات جوهريَّة، وأن التنازلات المطلوب تقديمها من المفضل أن تكون إقليمية وليس داخلية لأنها قد تجبره على تغيير جوهره، وبالتالي احتمال انهياره تلقائيًّا، من جهة أخرى قد يفقد الأسد الكثير من عناصر نظامه الفاعلة سواء بفعل الانشقاق أو التغييب القصري بفعل الثورة (الاغتيال أو الاعتقال) وهذا ربما يكون مدخلا للانفتاح على قوى أخرى داخل سوريا، إلا أن ذلك الخيار يحمل كذلك مخاطر انفجار النظام من الداخل، إذا لم يحسنْ اختيار عناصره، وفي حال عدم نجاح هذا الخيار، فإن ذلك قد يعزِّز من احتمال تشظِّي المشهد السوري ليصبح مشهدًا فوضويًّا يتضمن وجود أطراف عديدة متصارعة، ربما يكون ما بقي من النظام غير قادر على السيطرة على أغلب مكونات المشهد أو لا يملك القدرة على ذلك.
وطبعا في ظل الخيار الوحيد للنظام والمتمثل في مواصلة القمع وتصعيده، و السعي إلى إثارة أزمات خارجيَّة، ريثما يتم التوصل إلى صفقة إقليميَّة مع الولايات المتحدة وإسرائيل تدعم بقاءه، تبقي النتائج المترتبة على أي من هذه الخيارات، مرهونةً ليس فقط بتوازن القوى بين الأطراف المتصارعة داخل سوريا وتماسك كل منها، ولكن أيضًا بالتدخلات الإقليميَّة والدوليَّة، التي تتصاعد وتيرتها في الأونة الأخيرة، مما يفتح المشهد السوري على احتمالات عدة قد لا يمكن لأي طرف بمفرده حسمها أو ضبط اتجاهها.
المحاولة الأخيرة لايران تمثلت في اعادة تسويق انتاج نظام سوري معدل - بعد تطعيمه برموز من المعارضة وانفتاح سياسي محسوب- وطبعا هذا النظام الجديد لن يكون مؤهلا أمنيًّا لإدارة هذه المرحلة الحرجة بالجهود العسكرية الذاتية، الأمر الذي قد يحتم عليها الاستعانة ببعض التشكيلات العسكريَّة من دول مثل إيران وحزب الله والفصائل الفلسطينية داخل سورية بداية لضبط الوضع الأمني، وهي تحاول جاهدة استدراج السعودية ومصر والجزائر؛ و طبعا تركيا سوف تكون مرشحة للعب دور أمني أكبر في سوريا في المرحلة القادمة، خاصة عند الحدود، مما يدخل البلاد في حالة من الفوضى الأمنيَّة.
السيناريو الأسوء من وجهة نظري هو دخول اسرائيل على الخط والهيمنة على مناطق حوران وفرض واقع راهن ريثما يتم الوصول إلى استقرار آمن لا يشكل خطرا على كيانها، و مؤشر ذلك يظهر من خلال قتل و تهجير أعداد كبيرة من سكان بلدات ومدن حوران بشكل ملفت منذ اندلاع الثورة.
أيضا يظهر من خلال تسليم خمس مدن للأحزاب الكردية الموالية للنظام دون قتال بحيث تشكل تهديد لأي مشروع تحرري مستقبلي ، وبغية اثارة حفيظة تركيا وتهديد مصالحها بشكل مباشر.
و ربما سيضطر الأسد و طائفته التقوقع إلى المناطق العلوية نتيجة تنامي قوة المعارضة المسلحة، باعتبار أن تلك المناطق لم تتدمر بنيتها التحتية حتى هذه اللحظة نتيجة الحراك الثوري، ورد فعل النظام عليها .
وبالتالي يبقى على المجتمع الدولي التعامل مع الكتلتين السكانيتين الهائلتين في كل من حلب ودمشق المنكوبتين بسبب التخريب القصري للنظام. وهما طاحونة الرحى لمستقبل العمل السياسي السوري .
هذه الرؤى المتداخلة للسيناريوهات الأسوء للوضع السوري تحتم علينا جميعا النظر بمدى أبعد لما نحن عليه كي نستطيع استشراف المستقبل، ونعمل بصورة جمعية لتفادي العثرات التي سوف يقع بها أي مكون يتجه نحو سدة الحكم لاستلام زمام المبادرة والسير قدما نحو سورية المحررة بعد اسقاط النظام .
الدكتور حسان الحموي

الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

قناة العهر ........والرقص على الجراح


لم يغب عني أبداً منظر قناة العهر والدناءة وهي ترقص على جثث أهلي وأبناء وطني ، تتسكع بين أجسادهم الطاهرة ، تنكأ جراحهم وتمثل بأجسادهم ، وتبتز من بقي فيه بضع نفس أو روح .
منظر رهيب لم يجرأ أحد في العالم أجمع أن يفعله لشناعته ، ولا حتى مجازر البوسنة والهرسك ولا حتى مجازر غروزني ، حتى المغول كانوا يدفنوا من يمثلون به ولا يتفاخرون بمجازرهم.
من هؤلاء بربكم ؟؟؟
أهم بشر حقيقيون !!!!
لا تقولوا أنهم شياطين بأجساد بشرية ، لأن ابليس نفسه أعلن براءته من أفعالهم.

بات عمل قنوات الفتنة والعهر والدناءة كمصاص دماء لا يرتوي من دماء ضحاياه فأصبح يقول : هل من مزيد ..... هل من مزيد؟؟؟
شاهدنا هذه الفظائع على شاشات قنوات الفتنة من الفضائية السورية وشقيقاتها الإخبارية وقناة العهر التي يمولها رجال الفساد السوري .
من سيشفع لهم بعد هذه الجرائم المتكررة ، من سيغفر لهم مشاركتهم في هذه المذابح اليومية!!!!
لن أنشر أسمائهم اليوم كي لا يعتبر ذلك تحريضاً على محاسبتهم ، ولكن أسمائهم باتت معلومة للجميع ولا تخفى على أحد.

لم يعد من المقبول أبداً اليوم الوقوف على الحياد ، فالحياد اليوم يعني بالضرورة الاشتراك في الجريمة ، إن الساكت اليوم ليس شيطاناً أخرس ، بل هو مجرم خطير وبنفس درجة السفاح الذي يغرس خنجره في رقاب أبناء سوريا الجريحة.
إن الساكتين والرماديين والخائفين والمترددين والأذلاء والعبيد هم شركاء اليوم في تدمير النسيج الوطني السوري.
هذا النسيج الذي بقي منه خيط رفيع اليوم لم ينقطع بعد هو الأمل الوحيد في بقاء سوريا وطن لكل السوريين.
ولكن انقطاع هذا الخيط الرفيع هو مسؤولية هؤلاء العبيد الخانعين المتقوقعين الأذلاء ، والذين سيدفعون ثمن جبنهم وغبائهم هم قبل غيرهم ، لأنهم سيكونون الحلقة الأضعف في المرحلة القادمة.
إن المرحلة القادمة بعد كل هذه المجازر ستكون صعبة جداً على جميع السوريين ، وتحتاج إلى حكمة العظماء وصبر الحكماء وجلد الرجال وخلق الأبطال.

عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر


الأحد، 26 أغسطس 2012

نبوءات وأقوال مأثورة في الثورة السورية



 إن من عظمة الثورة السورية وهول أحداثها وتأثيرها على العالمين العربي والاسلامي ما يبهر الأبصار ، ويقف المؤمن حيران لا يدري ما يقول يبحث في تاريخه عله يجد ما يشفي غليله ، ويسكن حريرة قلبه، ويقوي ايمانه بربه أولا وبوعده له بالنصر تاليا ، وبالتسليم لقضاءه وحكمته ثالثا.
لهذا وجب علينا التفكر والتدبر و الأخذ بالعبر واستجلاب اليقين من أحاديث نبوية وأقوال مأثورة عن أشخاص ثقات ، نتعلم منهم ونستلهم من عبراتهم حكم الغد ، فقد ورد في ذلك الكثير وأقتبس لكم بعض ما تعلمته من هذه الثورة:  فقد
-        حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَاللَّفْظُ لِعُبَيْدٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَوْلَى خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا ،
وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا ،
وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ " ،
 شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ .‏ (حديث مرفوع)
صحيح مسلم 5161 , سنن أبي داود 2643 , مسند أحمد بن حنبل 7384
-        أيضا ورد عن ابن كثير ( 700 – 772هـ ) : في كتاب البداية والنهاية:: في أحداث سنة717هـ : أن النصيرية هجموا على مدينة جبلة، وقتلوا خلقا من أهلها، وخربوا المساجد واتخذوها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه: قل:لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي.
وصاح أهلها: وا إسلاماه، وجعلوا يتضرعون إلى الله، حتى جردت إليهم العساكر، فهزموهم، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا، وقتل المهدي الذي أضلهم في ذلك الزمان [البداية والنهاية]
-        أيضا ورد عن عبد الرحمن الكواكبي ( 1849 – 1902م): "فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمار الارض والناس والديار لأن دولة الاستبداد في مراحلها الاخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار
وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال ، وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد ، وعدم تأملهم في معنى الآية التالية: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصَّةً وَاعْلَـمُوا أنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ } سورة الانفال: 25 {عبد الرحمن الكواكبي – من كتاب: «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»}
-        "الشيخ إبراهيم اليعقوبي ( 1925 – 1986م) وهو أحد أكابر الأولياء في زمانه يحذرنا من الانخداع بهذا النظام، ويقول: سيأتي يوم ينصب فيه هؤلاء النصيرية المدافع على جبل قاسيون لدك الشام. وها قد رأأينا هذا يحدث" ( الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي).
    محمد الغزالي ( 1917 - 1996):
    ان زوال اسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها ، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن.
الغاية من ايراد هذه الأحاديث والنبوءات هي لمقابلة ما يشاع عن نبوءات كاذبة تصدر هنا وهناك ، ومن ثم ليزداد علمنا بحقيقة أمرنا لاتخاذ الأسباب الموجبة لازالة هذا الظلم وتغيير الواقع الذي نعيشه،  ولنعلم أن هؤلاء لا يسقطون بمجرد الاستسلام للنبوءات الكاذبة ، بل لا بد من حق يقابل باطل  ويقارعه حتى يسقط بإذن الله تعالى ، قال تعالى :{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” وَإِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي لَا تَقُولُ لِلظَّالِمِ أَنْتَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ ” شعب الإيمان (10/ 47)(7140 ) صحيح
قَالَ أَحْمَدُ( البيهقيُّ): ” وَالْمَعْنَى فِي هَذَا: أَنَّهُمْ إِذَا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَتَرَكُوهُ كَانُوا مِمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَأَعْظَمُ مِنَ الْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ أَخْوَفَ، وَكَانُوا إِلَى أَنْ يَدَعُوا جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ أَقْرَبَ، وَإِذَا صَارُوا كَذَلِكَ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ، وَاسْتَوَى وُجُودُهُمْ وَعَدَمُهُمْ “
هذه هي السنة المقررة، فالحق أصيل في طبيعة الكون، عميق في تكوين الوجود. والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلا، طارئ لا أصالة فيه، ولا سلطان له، يطارده الله، ويقذف عليه بالحق فيدمغه.
ولا بد من قانون التدافع كذلك بين الحق والباطل وبين الخير والشر، قال تعالى :{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة: 251]
ونحن موقنون بزوال هذا الطاغية الصنم وكل طاغية في الأرض ، قال تعالى :{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) } [العنكبوت]
وقال تعالى :{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } [الروم: 60]
لكن لا بد أن يقترن العلم بالايمان ويجليهما الصبر لأنه وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلا نهاية! والثقة بوعد الله الحق، والثبات بلا قلق ولا زعزعة ولا حيرة ولا شكوك .. الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين، ومن تكذيبهم للحق وشكهم في وعد الله. ذلك أنهم محجوبون عن العلم محرومون من أسباب اليقين. فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين. مهما يَطُل هذا الطريق، ومهما تحتجب نهايته وراء الضباب والغيوم! في ظلال القرآن للسيد قطب (9 أكتوبر 1906م - 29 أغسطس 1966م) -ط1 – ت- (ص: 3531).
الدكتور حسان الحموي

الخميس، 23 أغسطس 2012

العلمانيين ...........وأزمة الانتماء




منذ فجر النهضة العربية برزت إشكالية التمايز بين ما هو علماني وما هو غير ذلك ، فلسنا هنا لنتهم العلمانيين بالتنكر للأصالة والتراث والتقليد الأعمى للغرب وبالتحلل الأخلاقي والفكري وبالتوجه للمادية الاقتصادية وبث الأفكار الإباحية  والطواف حول الجسد وتلبية نداء الغرائز حتى الوصول لعبادتها.
ولسنا هنا أيضا للرد على اتهامات العلمانيين للآخرين بانغلاق العقل والانكفاء على الماضي واجتراره من غير تفكير ،واختزال التاريخ بأشخاص وأخيلة وأساطير واحتكار المعرفة والحقيقة مبنية على ماض غابر بما يحمل معه من تحجر وتكلس في الفكر وعدم ارتقاء في العلم والإبداع.
لقد بدأ استخدام مصطلح سكيولار Secular بعد نهاية حرب الثلاثين عاما عام 1648 عند ظهور الدولة القومية الحديثة وكان هذا المصطلح محدود الدلالة وكان يشير إلى " علمنة " ممتلكات الكنيسة ونقلها إلى سلطات غير دينية ( سلطة الدولة)
ثم تطور المصطلح ليشير إلى الملحدين أو اللاقدريين ، وحاول جون هوليوك (1906) أن يبعد العلمانية عن هذا الوصف فقام بتعريفها بأنها " الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض) ولازال هذا التعريف ساريا في الخطاب السياسي والاجتماعي حتى يومنا هذا ،رغم صدور الكثير من التعريفات الحديثة المعاصرة.
هنا برزت إشكالية الانتماء لدى العلمانيين العرب ، فما هي المنظومة المعرفية المعتمدة في                  " إصلاح حال الإنسان " ؟!!
هنا بات العلماني يعيش أزمة مع نفسه أمام ما هو مادي بحت ،وما بين القيم والمعرفة التراكمية المجتمعية التي تعايش فيها ، فأصبح يضع نفسه أمام خيارين ، إما أن يكون إنسانا ماديا بحتاً حتى يستطيع أن يحقق مبادئ علمانيته ، أو أن يستند إلى قيمه المعرفية المجتمعية وهنا يجد نفسه قد خرج عن علمانيته.
من هنا نجد أن العلمانية ليست محايدة كما ادعت بأنها لا تتصدى لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض لأنها لم تشر إلى مصدر  " إصلاح حال الإنسان بالطرق المادية " بشكل واضح وتركت الإنسان يعيش صراعاً داخلياً مع نفسه حول مشروعية هذه المنظومة الفكرية والمعرفية والتي قد تؤدي به إلى الرداليكية من خلال تقديس المادة، وهنا يبتعد عن العلمانية كمبدأ يحيد الإيمان في هدف إصلاح الإنسان.
أدرك العلمانيون هذه المشكلة فحولوا العلمانية من هدف إصلاح الفرد إلى هدف أعم وأشمل حتى يخففوا منها ويبعدوا الجدل والنقاش عن جوهر الخلل فيها ، فطالبوا بما يسمى علمانية الدولة ، وقد ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى في إنكلترا حيث طالب بعض البرلمانيون  " بفصل مؤسسات الكنيسة عن المؤسسات السياسية (الدولة) "
ورغم ذلك ظل العلمانيون يعانون أزمة انتماء لأن هذا التعريف هو تعريف شامل لا يعالج الدائرة الضيقة لكل فرد يحاول أن يكون علمانيا بذاته دون أن يعيش هذا التناقض الداخلي بنفسه ، وبرزت هذه المشكلة بشكل أكبر لدى العلمانيين العرب أكثر منهم في الغرب ،بسبب التراكم المعرفي والحضاري الموروث في مجتمعاتهم.
حاول العلماني العربي أدلجت نفسه حتى يستطيع أن يتخلص من أزمة الانتماء التي يعاني منها ، فاتجه بعضهم للقومية واختار آخرون الشيوعية ومنهم من حاول أن ينتهج الرأسمالية الغربية فكرا أو الاشتراكية منهجاً ، ومع هذا استمرت أزمتهم حتى حرفت بعضهم عن مبادئ العلمانية الأساسية ليتحولوا إلى متطرفين لأيديولوجياتهم المختارة.
بالطبع كل ذلك لم يعالج أصل المشكلة لدى العلمانيين العرب الذين لم يستطيعوا أن ينسجموا مع نموذج المجتمع الغربي العلماني المعاصر ،ولم يستطيعوا فرضه على مجتمعاتهم حيث بائت جميع محاولاتهم بالفشل مما سمح المجال للآخرين  بتجرية نماذجهم بغياب رؤية استراتيجية واضحة وشفافة يمكن أن توقعهم بنفس الأخطاء التي ارتكبها غيرهم.
لقد حاول العلمانيون العرب ربط العلمانية كنموذج عصري غربي بالحضارة الغربية باعتباره النموذج الحضاري الملائم لكل البشر معتمدين بذلك على نجاح الحضارة الغربية الحديثة بتحقيق الرفاه لمواطنيها ، متغاضين عن جميع الآثار السلبية التي خلفتها تلك الحضارة على حياة الإنسان ومتجاهلين خصوصية مجتمعاتهم الشرقية التي ينتمون إليها ، وربط بعضهم هذا المفهوم بالقومية العربية كي يعزز موقعه ويدغدغ المشاعر الإثنية لأغلب شعوب المنطقة العربية مدمرين بذلك التنوع الكبير التي تذخر به منطقتنا.
 إن اختلاط المفاهيم لدى العلمانيين أدى إلى ضياع هويتهم ، فترى هنغتون يتحدث في كتابه " صراع الحضارات" عن المصطلحات الخاصة بالمجتمع الغربي الحديث من مثل : الفردية ، الليبرالية ، المساواة ، الحرية ، الديمقراطية ، ومن ثم يضيف إليها العلمانية ( أي فصل الدين عن الدولة ) ، أي أن العلمانية لم تعد النظرة الإنسانية الشمولية  للكون ، في مكونات الحضارة الغربية .
كتب أحد العلمانيين العرب قصيدة يوماً قال فيها  :
العالم في قلبي مات
لكن حين يكف المذياع وتغلق الحجيرات
أخرجه من قلبي وأسجيه فوق سريري
أسقيه نبيذ الرغبة
فلعل الدفء يعود إلى الأطراف الباردة الصلبة
لكن تفتتت بشرته في كفي
لم يتبقى منه سوى جمجمة وعظام!
....وأنام
هذا ما يشعر به العلماني العربي اليوم ، هو نوم أقرب للموت ، نوم منفصل عن الواقع ، نوم يحاول الوصول جاهدا ً إلى الحياد ، يسحب منه الإله وينزع منه القداسة ، ويبعث الإنسان في عالم متبعثر الذرات ، عالم خال من القيم الإنسانية الموروثة.

عاشت سوريا حرة أبية  ، بكل أطيافها.

السوري الثائر

الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

الأخضر الابراهيمي وسباق التتابع



حتى وقت قريب كان البعض يظن أن الأخضر الإبراهيمي يسير على الطريق الصحيح ، و أنه سوف يتصرف كدبلوماسي محنك حريص على توفير جميع الشروط الضرورية لنجاح مهمته في سورية، وأنه لن يلجأ إلى تطبيق نظريته في المحاصصة الطائفية والمذهبية التي اشتهر بها في جميع القضايا التي عمل على حلها في الماضي القريب سواء في لبنان والمتمثلة في إتفاق الطائف أو في العراق ، و هذا لمسناه من خلال إصراره في البداية على أن تكون مهمته مسندة بقرار أممي يلزم كل الأطراف على السير في خطته و أن يكون هناك إجماع دولي و موقف موحد من هذه القضية، لكنه ربما نسي أن سابقه حاول جاهدا للوصول إلى هذا الهدف وعندما عجز قدم استقالته ، لأنه أبى أن يكون شاهد زور على جريمة العصر .
لكن و لأسباب غريبة نراه يقبل بمهمته بدون أن يتحصل على أي ضمان من القوى العظمى و هو يدرك تماما بأنه من دون هذا الإجماع الأممي فإن مهمته تصبح مستحيلة و أن استلامه للعصاة من سالفه كوفي عنان يغدو كمنحة وقت للعصابة الأسدية في سباق تتابع مراقبي الموت ليس إلا  .
وهو الذي يعلم أن العمل الدبلوماسي لا يستند إلى العلاقات الشخصية مهما اتسعت و تشعبت ، و لا إلى العبارات المنمقة ، و لا حتى اللعب بالألفاظ على الأطراف ذات العلاقة .
بل يستند إلى أوراق ضغط يمتلكها من مجلس الأمن والامم المتحدة وتفويض من الدول المحورية في لعبة الأمم ، إضافة إلى قبول جميع الأطراف الداخلية الفاعلة في الثورة بدوره كوسيط  ، لأن المعركة الدبلوماسية تحتاج إلى أسلحة حاسمة وليس إلى أيادي خاوية ، وأنه بدون ذلك فإننا ندرك سلفا بأن القضية خاسرة و أن القبول بها هو فقط لقتل الوقت ليس إلا.
خاصة وأننا ندرك اليوم أنه مع كل دقيقة تمنح لهذا المحتل تزهق روح إنسان بريئ.......فكم من طفل سوري سيموت تحت الردم حتى يسلم الابراهيمي عصاه إلى الذي يليه في سباق التتابع هذا؟!.
لذلك نتساءل اليوم هل مفروض علينا أن نقبل بسباق تتابع الموت وأن ندع الأخضـــــــر يعطي السفاح الضـــــوء الأخضــــر
للاســــتمرار في قتـــــلنا و قصفنا و ذبحنا؟! ..
وخاصة أن تصريحاته الأولى لا تدعو للتفاؤل أبدا عندما قال:
 "من السابق لأوانه القول إن كان على الرئيس السوري بشار الأسد أن يتنحى عن السلطة في بلاده أم لا".
في مقابلته التي أجرتها معه وكالة رويترز للأنباء عبر الهاتف من العاصمة الفرنسية باريس السبت الماضي، أيضا عندما قال: إنه يحتاج أن يعرف "بشكل عاجل" حجم الدعم الذي يمكن أن تقدمه له الأمم المتحدة في مهمته الجديدة في سوريا.
وعندما اعترض عليه البعض حاول الانسحاب من تصريحاته هذه إلا أنه لم يستطع تقديم المقابل المطلوب من الشعب .
فهل من المقبول بعد ستة أشهر من تحويل الملف إلى مجلس الأمن أن يعود الأخضر اليوم  ليبدأ من الصفر لمنح مهلة جديدة لعصابة الأسد ليقتل ما تبقى من الشعب المظلوم بعد أن فرضت أمريكا وأخواتها كافة أنواع الحظر على المعارضة ولو حتى الحد الأدني التي تستطيع به رد الظلم عن نفسها ، بهدف فرض حالة المراوحة بين الفريقين ، لأنها تدرك أن الاسد وعصابته غير قادرين على حسم معركتهم مع الشعب مهما استخدم من قوة وبطش ، و بالتالي لكي يبقي على المعادلة المفروضة ؛ منع جميع الأطراف من تقديم المعونة للمعارضة التي تمكنها من حسم المعركة لصالحها، وغايتها في ذلك هو اضعاف سورية إلى الدرجة التي لن تعود تشكل تهديد على حليفتها اسرائيل في المنطقة ، بالاضافة الى تمكين الاسد وعصابته من ضرب كامل البنية التحتية للبلد ، قبل فرض حل على جميع الاطرف ؛ بحيث يتم اشغال الشعب لعشرات السنين في اعادة البناء .
والأمر الآخر المؤسف مقولة أردوغان أمريكا بأن الأسلحة الكيميائية خط أحمر؛ فقد انتقلت عدوى الخطوط الحمر إليه ، ليعترف أن الوضع السوري معقد بسبب وجود ترسانة الأسلحة لدى جيش الاسد، ونسي أنه كان لدى العراق عندما هاجمه سابقه (625) قاعدة صواريخ دفاع جوي لم تستطع اسقاط طائرة أميركية واحدة ، بينما لا تمتلك سوريا ربع هذا العدد. وحتى إن سلمنا أن بعض أسلحة دفاعها الجوي حديثة نسبيا، فإنها ليست على قدر من الحداثة يحول دون مهاجمتها، خاصة أنها ليست من الجيل الروسي الأول بل الثاني.
كما أنه كان لدى العراق مخزون من أسلحة الدمار الشامل ليس أقل مما يقولون إن النظام السوري يمتلكه اليوم.
ومع ذلك استهان القادة العسكريون الأميركيون في حينه بقوة العراق، لكنهم في الوقت نفسه جعلوا الإعلام يبالغ في حجمها، على غرار ما يفعلونه اليوم بالنسبة إلى سوريا، ولكن مع الفارق في الهدف فهم يضخمون قوته كي لا يهاجموه.
 فحين قرر الأميركيين الدخول إلى العراق، لم يتمكن الجيش العراقي من فعل أي شيء ضدهم، وقال قادة فرق الحرس الجمهوري وقتها إنهم وجدوا أنفسهم تحت طوفان ناري منعهم حتى من الاتصال مع حجابهم الذين يقفون أمام مكاتبهم.
طبعا نحن لا ندعو قطعا إلى تدخل عسكري على غرار العراق، لكننا نؤكد أن عدم التدخل لم يحدث بسبب قوة جيش الأسد، بل لأن من بيدهم قرار التدخل يريدون للنظام أن يستمر إلى أن يدمر مدن سوريا وقراها وبناها التحتية ، ويشطبها من معادلات القوة والسيطرة في المنطقة لفترة طويلة.
لكنهم نسوا أن ذلك الشــابٌ الجالس فـي الزاويــة الـمتبقيــّة‌ مـن بيتـه، وهو يـصـنــع قهوته الـصـبـاحيــة علـى نار حطبـــة‌ ، قد أشرقت في عينيه كلّ الصـبـــاحات : بعد أن بدا له هذا العيــد كأجـمــل وأســعد عيــد يـمــرُّ علـيه فـي حيــاتـه ...لأنَّه أصبح حرا ولم يعد عبــداً لأحــد ...

الدكتور حسان الحموي

الأخضر الإبراهيمي .............مهلة جديدة للقتل

 
افتتح الأخضر الإبراهيمي مهمته الجديدة بتراشق أعلامي بين أطراف النزاع في المهمة التي قبل أن يكون مبعوثا دوليا لها ، مهمة أقل ما يقال عنها أنها مهلة جديدة للقتل ، مهلة قد يظن فيها البعض أن عصابات الأسد ستستطيع كسر الثورة السورية وهو واهم ، لأن الثورة السورية مستمرة حتى بعد مضي 18 شهرا بإمكانياتها الذاتية رغم جميع وسائل القتل والتدمير والنهب والسلب والاغتصاب والتعذيب وكل وسائل الترهيب فجاءت النتائج بعكس ما يشتهي النظام ، حيث اشتدت عزيمة الثوار وقويت شوكتهم وازداد إصرارهم على إسقاط النظام بكافة رموزه وأشكاله.
ومنهم من يحتاج إلى هذه المهلة ، وهو يعرف بأنها ستفشل ، من أجل كسب الوقت لترتيب بيته الداخلي لأنه غير مستعد ،رغم كل هذه المجازر التي تحدث في سوريا، أن يقدم أي مساعدة جدية وفعالة لشعب بات يذبح بشكل يومي ، ولا أحد في هذا العالم يبدو أنه يكترث ،ولم تقدم هذه الدول غير الكلام لدعم هذه الثورة اليتيمة.
ومنهم من ينتظر ويتفرج حتى يتم تدمير سوريا عن بكرة أبيها ولا تقوم لها قائمة حتى الخمسين عاما القادمة ، يتلذذون برؤية سوريا أرضاً وشعباً وحضارة وتاريخاً عريقاً ، تتدمر وتنهار حجر فوق حجر ، وأجمل شيء بالنسبة لهذا الفريق ، أنها تنهار بأيدي أبنائها ، ويتحقق لهم ما لا يمكن تحقيقه بأيديهم ، وبذلك يوافقون على مهل جديدة لتحقيق أهدافهم الغير معلنة  ، واستمرار معاناة الشعب السوري ودمار نسيجه الاجتماعي وهو ما يثلج قلوبهم ويروي غليلهم.
لذلك على الشعب السوري أن يعيي جيداً مصيره بين أيدي هؤلاء جميعهم ، فلا أخضر ولا أحمر ولا أبيض ولا أسود ، يستطيع أن يحررهم مما هم فيه ، فاختلاف الرؤى يؤدي إلى إغلاق أبواب الحلول.
فالأمم المتحدة وأعضائها لا يريدون الاعتراف بأن ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية محقة عادلة، هدفها الانتقال السلمي للسلطة للتحول إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية لجميع السوريين.
هذا التباين الحاد في الرؤى سيدخل أي مبادرة سياسية أو غير سياسية لحل الأزمة في سوريا بنفق نهايته مسدودة.
ليس من مصلحة أي طرف في هذا العالم أن تنتصر الثورة السورية وتحقق أهدافها ، على الشعب السوري أن يدرك هذه الحقيقية ، ولذلك على الثورة أن تصنع النصر بإمكانياتها الذاتية وأن لا تنتظر دعماً سوى من أبنائها.
عاشت سوريا ( غصب من عن الكل ) حرة أبية
السوري الثائر

الأحد، 19 أغسطس 2012

مناشدة عاجلة


‎-1-

ارتدى الطيار بدلته العسكرية وهَمّ بالخروج من البيت. استوقفته زوجته عند الباب وسألت: إلى أين؟ قال: مهمة عاجلة؛ سأحلق بطيارتي المقاتلة فوق الموحسن فأرمي بعض القنابل وأقذف عدداً من الصورايخ ثم أعود. قالت الزوجة المخلصة: انتبه على نفسك وترجع لنا بالسلامة. ثم طبعت قبلة على صفحة خدّه وهي تودعه على الباب، وعندما بدأ بالابتعاد هتفت به: لا تنسَ أن تحسن التسديد.

-2-

وصل الطيار إلى الهدف؛ بدأ أولاً بإلقاء القنابل على بيوت المدنيين العزّل فهدم طائفة منها على رؤوس ساكنيها، ثم أكمل مهمته الوطنية بإطلاق ما تحمله الطيارة من صواريخ على المدينة المنكوبة. فجأة ارتجّت طيارته وسمع صوت انفجار، ماذا حدث؟ لقد أصيب بمضادات الطيران الأرضية. ترنّحت الطيارة ثم بدأت تهوي، فقذف الطيار بنفسه خارجها وهبط بالمظلة إلى الأرض، وخلال دقائق كان في أيدي الثوار.

-3-

الزوجة تطبخ وجبة الغداء. رمضان؟ وما رمضان؟ إنه للمساكين الذين ذهب زوجها لقصفهم، أولئك شهرهم رمضان والوجبات فيه فَطور وسُحور، أما هي وهو فشهرهم هو آب والوجبات فيه ثلاث، إفطار وغداء وعشاء. قطع عليها عملَها في المطبخ رنينُ الهاتف: افتحي التلفاز على “العربية” بسرعة. العربية؟ قناة الكذب والتلفيق؟ غريب!

-4-

رأت زوجها المسكين محاطاً بعدد من المسلحين المتوحشين “فأحست بالصدمة ولم تعد قادرة على الوقوف، وأصيب الأولاد بحالة هلع عندما شاهدوا أباهم على تلك الصورة، وقد ظهرت على وجهه بعض الكدمات الزرقاء”. يا حَرام! كدمات؟ ماذا فعل به أولئك الوحوش؟ يا لهم من ناكري جميل! أهذا هو جزاء من يذهب لقصفهم مضحّياً براحته ومكتبه المكيّف وبيته الجميل؟

-5-

“الزوجة المفجوعة أرسلت مناشَدة عاجلة إلى الهيئة العامة للمصالحة الوطنية للعمل على إطلاق سراح زوجها، وطالبت الخاطفين بأن يتحلّوا بأخلاق الإسلام الذي يرفعون لواءه ويدّعون بأنهم ينتمون إليه، وأن يكفّوا عن قتل الأبرياء”.

-6-

أبناء الطيار الأسير في غاية الحزن واللوعة (يا حَرام!) و”يطالبون بالعمل الفوري لإعادة والدهم إليهم وتحريره من خاطفيه”، وهم يؤكدون أن أباهم مخلوق وديع وأنه “يتحلّى بأخلاق الجيش العربي السوري ولا يمكن أن يقتل الأبرياء”.

-7-

كأني بكم وقد فقدتم لتراً من الدموع بعد هذه القصة المؤثرة. لا تقولوا إني لم أنذركم! لقد فعلت. حسناً، قبل أن نختم يمكننا أن نرسل رسالة مقتضَبة لزوجة الحَمَل الوديع وأولاده: لقد ثارت أشجانكم لأنكم شاهدتموه على التلفاز أسيراً مكدّماً، أما زوجات وأطفال الضحايا الذين قتلَتْهم صواريخُ طيّارته وقنابلها فلم تُثِرْ أشجانهم. لقد كان زوجك يا مدام وكان أبوكم يا أولاد رحيماً بهم، فإنه دكّ البيوت فوق رؤوسهم فماتوا جميعاً بضربة واحدة، فلم تبقَ ثكلى لتنوح على زوج راحل ولا يتامى ليبكوا الوالد الفقيد.

(ملاحظة: ما بين الأقواس منقول من تفاصيل الخبر في أحد المواقع الموالية).

إلى أي مدرسة ينتسب البوطي؟



الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي

كتب أحد الإخوة إلينا معلقا على بعض ما كتبناه في الدكتور سعيد رمضان البوطي يقول: "أين انت ياشيخ حسن حبنكة ، ، ألم يرث حكمتك الا البوطي ؟ منهج الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى هو منهج السلف الصالح في الفتن وهو اليوم منهج كل علماء الشام المعتبرين ، وما شذ عن هذا المنهج منهم الا دعاة التجديد ولا حول ولا قوة الا بالله."
ونقل نقولا من كتاب ابنه في ترجمته، فيها أن الشيخ أسكت بعض العامة لما أرادوا الصياح في مسجده والتظاهر، وكيف أنه لم يسمح بإطلاق رصاصة واحدة لما جاءت المخابرات لاعتقاله".
وقال: "والشيخ كريم راجح حاول جهده ان يوصل رسالة الحكمة هذه ولكن الامر كان اكبر منه ، فقد نهى عن التظاهر في اول الاحداث بلهجة صارمة"
وختم كلامه بالقول: "الشيخ البوطي هو الوريث الشجاع الوحيد لمدرسة السلف فإلى اي مدرسة ينتسب الشتامون؟"
وقد أحببنا أن نجيب على هذا الكلام وما فه من شبه وتحريف لسيرة واحد من أعلام العلم والجهاد كان عالما رباني وإماما مجاهدا، وهو الشيخ حسن حبنكة، رحمه الله وجزاه عن الأمة خير الجزاء.
لقد جالسنا الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى وعرفناه، كان فارسا مغوارا وبطلا صنديدا، إذا غضب لله لا يقوم لغضبه شيئ. جاهد في سبيل الله بالكلمة، وجاهد في سبيل الله بالسلاح. 
نعم فقد حمل السلاح وانضم إلى المجاهدين في ريعان شبابه لتحرير البلاد من الاحتلال الفرنسي، رغم وجود حكومة محلية من أبناء الشعب، ورغم أن المجاهدين كانوا يعدون في نظر الحكومة ونظر فرنسا خارجين عن القانون، بل كانوا ملاحقين من الدرك أي من أبناء البلد، والمخبرون من المتعاونين مع فرنسا يتسقطون أخبار الثوار، والمشايخ المتعاونون مع فرنسا يصدرون الفتاوى. وانجلى الغبار وانتصر المجاهدون واستقلت سورية، وخرج المستعمر وأعيدت كتابة التاريخ، ولفظ التاريخ أولئك المتعاونين مع المحتل. 
والذين يحكمون اليوم أشد كفرا وضررا من الفرنسيين. وهم محتلون للبلاد، جاؤوا من الجبال وتغلغلوا في كيان الدولة شيئا فشيئا كالسرطان حى تمكنوا. وقد كان والدي العلامة الكبير الشيخ إبراهيم اليعقوبي وهو أحد أكابر الأولياء في زمانه يحذرنا من الانخداع بهذا النظام، ويقول: سيأتي يوم ينصب فيه هؤلاء النصيرية المدافع على جبل قاسيون لدك الشام. وها قد رأأينا هذا يحدث.
أما أن الشيخ حسن حبنكة أسكت الغوغاء الذين أرادوا التكبير والخروج في مظاهرة، فهو صواب، ولم تفهم مراد الشيخ حسن حبنكة ونحن أعرف بمنهاج هؤلاء الأئمة. 
والسبب الأول أنه كان وضع منهاجا للتحرك وهذا ما يفعله السياسي المحنك، وكذلك كان الشيخ حسن رحمه الله، يبدأ بتقديم الطلبات ثم بالمفاوضات وخلال ذلك يقدم أوراق الضغط الواحدة تلو الأخرى ولا ينتقل إلى وسيلة إلا بعد استنفاذ التي قبلها. هذا ما تقتضيه الحكمة والسياسة. 
والسبب الثاني: أن الشيخ لم يكن يريد تحركا تقوده الجماهير وإنما تحركا يقوده العلماء، وهذا ما سعينا إليه، فهو لا يريد أن يقاد وإنما أن يقود. وكان العلامة البوطي أمل الأمة في قيادة هذه الثورة، وتجنيب الناس هذه المعاناة. واللبيب هو الذي ينظر في أحوال الناس فإذا رأى الاستعداد تحفز للثورة، والشيخ لم ير الاستعداد في ذلك الوقت، ولكن الناس اليوم على أتم الاستعداد لنصرة الدين وتحرير البلاد من الطواغيت، وهم ينادون: على الجنة رايحين شهداء بالملايين. وهم يبايعوننا ولله الحمد ويستمعون إلى نصحنا ويأتمرون بما نأمر، ويريدون للعلماء أن يكونوا على رأس هذه الثورة.
هذا هو منهج الشيخ حسن حبنكة رحمه الله ... منهج نصرة الحق ... منهج الجهاد ... منهج قيادة الأمة ... منهج التضحية بالنفس والمال والولد ... منهج البعد عن النفاق للحكام ... منهج الصدع  بالحق لا يخاف في الله لومة لائم ...
إنك تجني على الشيخ حسن حبنكة وتجني على التاريخ وتجني على العلم وأهله إذ تنسب موقف البوطي هذا إلى مدرسة الشيخ حسن حبنكة، وهو بريئ منه.
عليك أن تعلم أن الشيخ حسن حبنكة هجر تلميذه شيخ القراء الشيخ كريم راجح مدة سنتين هجره في الله تعالى لأنه مال إلى الرئيس حافظ الأسد وصار يخطب بين يديه بعض الوقت في مطلع السبعينات، كما أخبرنا شيخ القراء بنفسه حفظه الله وأمتع به. إلى أن رجع الشيخ عن ذلك فرجع الشيخ إلي ما كان عليه من الود له. وكان الشيخ حسن حبنكة رحمه الله قد نفض يديه من حافظ الأسد وكشف كذبه وخداعه بعد بضع لقاءات.
وأتشرف بأن أقول بأني حضرت أول لقاء للشيخ حسن رحمه الله تعالى بالرئيس حافظ الأسد بعد الانقلاب مطلع السبعينات. إذ مر الشيخ رحمه الله تعالى ومعه أخوه الشيخ صادق والشيخ هاشم السيد رحمه الله مفتي الحنابلة بسيارة يقودها أحد المقريبين من الشيخ على جامع الدرويشية لاصطحابه، وكنت في خدمة سيدنا الوالد رحمه الله تعالى ملازما له كظله، وكنت آنذاك غلاما في نحو الثامنة، فأخذني في صحبته، وتوجه الوفد إلى قصر الضيافة وهناك استقبل الرئيس الوفد وحضرت اللقاء وكان في القاعة التي خلف الشرفة في الطابق الأول. وكانت الغاية من اللقاء تقديم مطالب الشعب للرئيس. وكان الرئيس  يحسب للشيخ ألف حساب. واكتشف الشيخ رحمه الله ما عند الرئيس من المراوغة، ولذلك كان أخوه الشيخ صادق رحمه الله يأبى اللقاء به إلا إذا نفذ ما كان وعد به في اللقاءات السابقة.
أترانا لا نعرف ذلك التاريخ وقد عشناه، ليأتي ابن لبون لما ينبت عذاره بعد ليتحدث عن البلد وأعلام الجهاد فيه. إن موقف البوطي سبة في جبين العلم والعلماء، وعار على الشام وأهل الشام، والشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى بريء منه ومن هذا النفاق.
ترى أينتسب إلى د. مصطفي السباعي رحمه الله،  والسباعي كان أبعد ما يكون عن هذا المنهج بلا خلاف، أم ينتسب إلى والده العالم الرباني ملا رمضان وهو الذي كان يأبى اللقاء بالحكام فضلا عن تقديم ايات المدح والثناء. 
نحن ننتسب إلى مدرسة سعيد بن المسيب ومدرسة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ومدرسة العز بن عبد السلام ومدرسة الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ شريف اليعقوبي والسيد المكي الكتاني والشيخ أبي اليسر عابدين. ولم يكن  في مدارس هؤلاء الوقوف على أبواب الحكام ولا المدح أو الثناء فضلا عن تأييد الظلمة وإعانة الكفرة الفجرة. فإلى أي مدرسة ينتسب البوطي، أفيدونا أفادكم الله.

السبت، 18 أغسطس 2012

من طفس إلى إعزاز


من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (1) رحلة انشقاق

همت على وجهي في سواد الليل أنا وبعض المنشقين عن آلة التدمير والقتل من اللواء 15 كتيبة الصواريخ التي ارتكبت مجزرة مروعة بحق مدينة انخل بتاريخ 8/8/2012 ، اتجهنا نحو الجنوب فمنهم من اتجه إلى جاسم ومنهم إلى الشيخ مسكين ولكن الخيار الأنسب بالنسبة لي هو إلى طفس حيث يقطن رفيق الدرب والسلاح " خليل"
وصلت إلى طفس حيث استقبلني حاجز للجيش الحر خضعت للتحقيق ،وعندما عرفوا أنني مجند منشق عن كتائب الأسد ،أخبرتهم أنني أقصد منزل صديقي في طفس الحرة حيث أرشدوني إليه.
عندما شاهدت خليل دمعت عيناي لأنني لم أشعر بالدفء منذ مدة طويلة منذ غادرت مدينة إعزاز في شمال حلب ، مدينتي الغالية.
كانت سعادة خليل لا توصف عندما شاهدني، استقبلني في منزله 3 أيام ولكن الشوق والحنين لحضن أمي ألزمني أن أطلب منه أن يساعدني في العودة لمدينتي المحررة.
وهنا بدأت رحلة لم أتخيل يوما بأنني سأمر بها في حياتي.
من طفس إلى إعزاز ........ ماذا اسميها ؟.......... هل أسميها رحلة من الثورة السورية ........... أم اسميها رحلة أبطال الجيش الحر ........أم اسميها رحلة مواقف.
ربما كان الاسم الأخير يعكس جزء مما جرى معي في تللك الرحلة ، لأنني سأركز على المواقف التي تعرضت لها أكثر من أي شيء آخر.
لقد بدى واضحا لي أن الجيش الحر بات يسيطر على أغلب المناطق الريفية في سوريا ويستطيع التنقل فيها بحرية .
هذا ما وجدته من خلال رحلتي التي استمرت سبعة أيام برفقة زميل الدرب والسلاح " خليل " الذي حولته الثورة إلى شخص غريب عني أجد نفسي أحيانا احتاج إلى الكثير من الشرح والتفسير لأغلب المواقف التي تعرضنا لها معاً في رحلتنا هذه.
لقد بدأت رحلتنا من مستودع مهجور حيث كانت شاحنة صغيرة بانتظارنا ، فاجئني خليل بالقول أنه علينا أن نركب تلك الشاحنة ونسلك طرقا زراعية وأن نتجنب الطرقات الرئيسة ، ولكن ما فاجئني أكثر هو حمولة الشاحنة التي كانت تذخر بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والذخائر وبعض القنابل اليدوية.
أتريد مني أن أركب معك مع كل هذه الذخائر والأسلحة؟!!!
"إذا كنت تريد الوصول إلى بيتك عليك أن تأتي معي" ، بتلك البساطة ومع ابتسامة خفيفة باردة ارتسمت على وجهه الذي بت لا أعرفه ،رغم كل تلك الذكريات والأيام والليالي الطويلة التي عشناها سويا في حلوها ومرها.
انطلقنا عبر القيافي سويا ، وكانت وجهتنا نحو ريف حمص إلى مدينة القصير تحديدا ، حيث كان ينتظرنا أحد قادة الكتائب التابعة للجيش الحر هناك.
استوقفنا حاجز قبل أن نصل إلى مقصدنا ويبدو أنه تابع لكتبية أخرى غير التي كنا نقصدها ، وطلبوا منا الترجل من الشاحنة ففعلنا، وقالوا لنا بأننا في ضيافتهم حتى يأتي قائدهم ليعرف منا بالضبط تفاصيل مقصدنا.
كانت هذه الكتيبة مؤلفة من عدد لا يستهان به من شباب ملتحين وغير ملتحين، سألت أحدهم من أين تأتون بالسلاح؟ فأجابني والانزعاج باد على وجهه : من أمثالكم .. وغادر مسرعا كأنه لا يريد أن يجيب عن أي سؤال آخر.
هنا التفت إلى صديقي مستوضحا..... فقال لي خليل : عليك أن لا تتكلم كثيرا هنا.
قلت له ماذا كان يعني ؟؟
قال لي : في المساء سأخبرك كل شيء ....اسكت الآن أرجوك
انتظرت حلول الظلام بفارغ الصبر كي يجيبني خليل عن تساؤلاتي، وتلقف لهفتي وأومأ برأسه بأنه سيتكلم كما وعدني، ( هذا خليل الذي عرفته من قبل ).
هؤلاء كتائب منفصلة عن الجيش الحر وغير تابعين له وقد أقاموا حواجز للتفتيش ، بتلك العبارة بدأ خليل قصته عن موقف من مواقف رحلتنا.

وللرحلة بقية

عاشت سوريا حرة أبية

السوري الثائر






من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (2) إسلاميون ولكن!!

لم استطع النوم بسبب ما أخبرني به خليل عن هذه الكتائب التي استضافتنا ، أيقظته من نومه على عجل ... خليل ... خليل .......... هل ما أخبرتني به صحيح ، أدار وجهه عني منزعجا على ما يبدو مني لأنني أيقظته وقال لي : في الصباح سأثبت لك صحة كلامي.

لم يكن صوت الديك ليصحيني لأنني لم أنم بالأساس  ، ولم تكن لوجبة الإفطار الشهية التي أعدها لنا شباب الثورة ،كما سميتهم فيما بعد ، لتنسيني ما كنت أفكر به طول الليل ، وبدأ خليل الحديث قائلاً:
أخبروا صديقي كيف رمى بكم الزمان لتصبحوا على ما انتم عليه الآن.
انبرى أحدهم كان جالسا فاسند ظهره للحائط ، ماذا تريد أن تعرف ؟؟
كل شيء ... كيف شكلتم هذه الكتائب ولماذا سميتموها كتائب الرحمن ، لماذا لم تسموها كتائب نصرو نشيواتي مثلاً.
ضحك جميع الشباب على وقع شرب الشاي ، ونظروا إلي وقال قائلهم:
من سيسلح كتيبة بهذا الاسم ، ما رأيك لو سميناها كتيبة جورج حبش مثلاً ، وضحك الجميع ، ومن ثم قال آخر : أو ريما نسميها كتيبة رياض الترك ،أو إذا بدك منسميها كتيبة زكي الآرسوزي .
قال أحدهم ومن هو هذا الأرسوزي !!.......... قلت له لا عليك لا عليك أكمل رجاءً..
قال لي الأخير : يا أستاذ .... فضحك الجميع مرة أخرى لما سماني به ، فقلت له أنا لست أستاذ ، أنا رجل عادي من هذا الوطن ، حلمت مرة بأن أكون مواطنا وليس مجرد رقم.
ساد صمت للحظات في غرفة شقها ضوء الصباح متسللاً ببطء لعيوننا بحيث كاد يعميها.
قال أحدهم لنخرج إلى ساحة الدار نكمل حديثنا .
تموضعنا على شكل حلقة وبدأ خليل الحديث كالعادة متصدراً وأنا أنظر إليه وأقول هل هذا هو خليل الذي أعرفه ، استمر موجها كلامه لما يبدو قائد الكتيبة .
قل لصديقي ماذا كنت تعمل قبل الثورة .... نظر إلي طويلا ثم قال : لقد كنت اعمل بالتهريب بين لبنان وسوريا وكنت أهرب الدخان الأجنبي وكان عملا يدر علي أرباحا جيدة ، ثم ضحك وقال كل واحد منا هنا له قصة مختلفة عن الآخر ، مثلا أمامك أبو حيان كان من الدفعة الأولى المفرج عنها بالعفو الرئاسي بعد الثورة ، وأبو حمزة كان في الفرقة الحزبية لمدينة القصير .... استمر في الحديث قائلا يوجد منا مهربين ومنا محكومين سابقين ويوجد أيضا أستاذ مدرسة كان يدرس التربية الإسلامية هو الآن إمام الكتيبة ، وأردف قائلاً يوجد منا من لا يفارق الكاس ومنا من لا يفارق السبحة.
وأما عن سؤالك عن تسمية كتيبتنا بتسمية إسلامية فهو لضرورات التمويل ، فقد ظهر تنافس كبير بين الكتائب على التمويل ، فنحن بحاجة للسلاح والذخائر ولولاها لا نستطيع الاستمرار بالكفاح المسلح ، وجميع مصادر التمويل الموجودة على الساحة الآن هي مصادر تمويل إسلامية.
كان لحديث قائد الكتيبة وقعاً مفاجأ في قلبي ، ولقد انتبه خليل لذلك وحاول تغيير الموضوع قائلاً : نحن نشكر لكم ضيافتنا ولكن علينا أن ننهي مهمتنا.
فجاء صوت من بعيد كي يقول : عليكم أن تتركوا حصتنا أولا وهي 10% من حمولتكم، وبعد الكثير من المفاوضات وافق خليل على مضض مقابل جزء من قيمة الحمولة تم تسديدها له نقداً.
انطلقنا مباشرة إلى مقر أحد كتائب الفرقان في مدينة القصير ، التقينا شخص يقال له أبو أسعد وهو بطل من أبطال الجيش الحر ، وقام خليل باستعراض ما لديه من حمولة ، وشاهدت علامات عدم الارتياح على وجه أبو أسعد حيث طلب منا أن نستريح قليلا ريثما يجري اتصالاته.
قلت لخليل : ماذا يحدث ؟ أريد أن أعرف؟
لا شيء ..... لا شيء
بتلك الكلمات قرر خليل إنهاء الحديث فقررت أن أعرف بنفسي......
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية

السوري الثائر



من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (3) عرفت نفسي
اتجهت مباشرة إلى قاعة صغيرة كانت الكتيبة قد خصصتها للاجتماعات وقد كانت فارغة ، جلست فيها انتظر علني أشفي غليلي واعرف ماذا يحدث من حولي.
دخل رجلا أصلع ملتحي بلحية طويلة سلم عليّ وجلس بجانبي وابتسم قائلاً :
من وين الأبضاي ( كلمة أبضاي تقال للتحبب بين أفراد مجموعة ذكورية واحدة وتعني الرجل القوي المفتول العضلات).
قلت له أنني من إعزاز وأنني مجند منشق عن كتائب العصابة الأسدية .
وهنا برز موقف آخر من مواقف رحلتنا القصيرة.
فهل أنا فعلا مجند منشق؟!!!....... أم أنني فار من الخدمة .........أم أنني جبان خائف.
تصادمت الأفكار بذهني وسببت لي الإرباك ... إرباك لم استطع أن أخفيه تحول إلى كلمات دافقة خرجت مني لتفسير ما أنا فيه.
بادئ الأمر هالني ما حدث في انخل درعا من قتل وتدمير حيث شعرت أن الذي تدمر هو إنسانيتي ، رغم الكثير مما قاله قائد كتيبتنا عن أننا نهاجم مسلحين إرهابيين عملاء للكيان الصهيوني ( رغم أنه لم يستخدم هذه الكلمة واستعاض بغيرها) وعلينا تدميرهم وسحقهم وإبادتهم ، ولكن الذي حدث والذي رأيته أننا ( الجيش العربي السوري ) كنا نقوم بقتل النساء والأطفال ... الشيوخ والشباب ...... الجرحى والمرضى والمصابين .... وكل شيء يتحرك حتى الحيوانات لم تسلم من نيراننا الغادرة.
كل هذا وذاك دفعني ومجموعة من الشباب إلى الهرب ... نعم الهرب نحو إنسانيتنا قبل أن تبلعنا هوة الظلام الشيطانية وتحولنا إلى وحوش عبيد بيد طاغية القرن.
هربنا وفي ذهن كل واحد منا فكره عن هدف هروبه ، هل هو انشقاق أم فرار أم هو مجرد هروب مجرد من أي أهداف.
بالنسبة لي ظل الهدف غير واضح حتى سألني ذلك الشاب الجالس بقربي ...وأنت ماذا كان هدفك؟
قلت له ببساطة : لن أكذب عليك لأقول لك بأنني سأنضم للجيش الحر لأنال الشهادة أو أحقق النصر ، شهادة أدخل بها جنات النعيم فيها الحور العين ، أو نصر يكلل الغار فوق الجبين ويعطيني منصبا أو حظوة أو تقديرا للجميل.
لقد هربت ببساطة لأنني اشتقت لحضن أمي العجوز التي بكت وتبكي كل يوم منذ غادرت بيتنا الريفي المتواضع كي التحق بخدمة الوطن.
وطن بات غريبا علي منذ اندلاع الثورة السورية ، فلم يعد يعني لي مكان يجمعنني بإخوتي وجيراني وأهلي ، فقد اختلف معناه باختلاف أهله.
ابتسم جليسي وقال لي : لا عليك ، كلنا مررنا بتلك المرحلة مثلك ،وعانينا وتضاربت أفكارنا و تطاحنت ولكن بالنهاية ستجد طريقك بنفسك.
وجدت راحتي عبر كلماته ،ولكن لم تنسني هواجسي حول ما جرى ويجري بين خليل وبين أبو أسعد أحد قادة كتيبة الفرقان، مما دفعني لسؤال محدثي عما يجري ، لكي أعرف موقفا آخر من مواقف رحلتنا.
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر



من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (4) تاجر سلاح

تابعت حديثي مع جليسي وقلت له : ولكن أخبرني ما الذي أزعج أبو أسعد ؟؟
أجابني : ألا تعرف !!! ألست شريكاً لخليل ألم يخبرك ما حدث؟؟
لا ... لا ...أنا مجرد صديق ، لم يخبرني بشيء
إن صديقيك يريد زيادة الأسعار بشكل كبير ، ولم يلتزم بكلمته.
سعر ماذا ؟!!!
ألا تعرف !!! سعر شحنة الأسلحة والذخائر
ولكن أليست تلك الأسلحة لكم ؟؟
نعم إنها مخصصة لكتيبة الفرقان ، ولكن خليل يريد زيادة الأسعار.
لماذا ؟؟ أليس خليل ضمن الجيش الحر.
ضحك محدثي ومن ثم نظر إلي نافثا دخانه باتجاهي ، إنه تاجر سلاح ، هل تريدني أن اقتنع أنك لا تعلم بذلك!!!
خليــــــــــل!!!!!
إنك مخطأ بالتأكيد ، أنا اعرف خليل جيدا إنه مزارع بسيط كان معنا في الجيش ،ومن ثم تسرح قبلنا لأنه أنهى مدته ، وهو ليس له أي علاقة بهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد ، أرجوك عن ماذا تتحدث ؟؟!!
لا...لا أنت المخطئ وليس أنا ، إننا نتعامل مع خليل منذ أكثر من ستة أشهر وأنا أوكد لك بأن خليل تاجر سلاح ماهر ولم يخلف معنا موعد من قبل وقد أمن لنا العديد من الشحنات سابقاً.
غادرت الغرفة مسرعا إلى خليل كي استوضح منه الأمر شخصياً، حاولت أن أجده ولم استطع ، فتشت جميع الغرف المحيطة في الدار التي كنا متواجدين فيها ولم أجده.
سألت عنه ليخبروني أنه خرج إلى البساتين المحيطة
ذهبت باتجاهه ، ووجدته مستلقيا تحت شجرة زيتون كبيرة
هل هذا صحيح !!
أجابني وكأنه علم عن ماذا أتحدث : نعم ....نعم أنا تاجر سلاح ، هذا صحيح.
ولكن .... ألست مع الثورة ... كيف تقوم بهذا العمل!!
إن لم أقم به أنا سيقوم به غيري ... ولماذا هذا الاستغراب ، إنني مع الثورة ، وبالعكس إنني في كثير من الأحيان أخاطر بحياتي من أجل أن أؤمن السلاح للكتائب والثوار.
ولكنك تتقاضى ثمن هذه التضحية ، أليس كذلك!!
وما العيب في ذلك ، إنني أيضا أخاطر بحياتي ، أليس من حقي أن استفيد أيضا.
الجميع هنا يستفيدون ، أليس كذلك.
ساد صمت رهيب ، وقطع صياح أبو أسعد من بعيد ليخبرننا بأنه وافق على الأسعار الجديدة وبأنه سيستلم الشحنة كاملة.
نفض خليل الغبار عنه وقال لي : علينا أن نكمل رحلتنا ، لا تفكر بالموضوع كثيراً .
وعند ساعات الفجر الأولى كنا على مشارف حماه ، لكي نكمل رحلتنا ونسجل موقفا مختلفا تماما من مواقفها.
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية

السوري الثائر



من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (5) إخاء وتعاون

وصلنا إلى حي الأربعين في حماه ، منذ ساعات الفجر الأولى ، أوقفنا حاجز تابع لأهل الحي ، وبعد أن عرفنا عن أنفسنا ، تم السماح لنا بالدخول إلى الحي .
اتجهنا مباشرة إلى مسجد الحي ، حيث أقيمت صلاة الفجر ، جلست وخليل بجانبي في المسجد ننتظر أذان الإقامة، وكان عدد المصلين يفوق الألف لدرجة أنني ظننت أنها صلاة الجمعة، لم أشعر بهذه الرعشة في جسمي من قبل ، فأنا لا اعتبر نفسي متدين ، صحيح أنني مسلم ، ولكنني أصلي في المناسبات وفي أيام الجمع وأصوم من باب العادة ولم أزكي في أبداً، لأنني لم امتلك نصاب الزكاة في حياتي ، ولا أعرف شيئا عن الحج ، ولكنني أعبد الله لا أشرك به أحداً ، وأشعر بغضب شديد في حال مست الذات الإلهية في أي حال من الأحوال.
إنني مسلم عادي وأجد معظم أقراني مثلي ، ولكنني في تلك اللحظات وفي ذلك المسجد شعرت بقوة غريبة تسري في جسدي ، إنها قوة الجماعة ، إنها قوة الإيمان.
وعندما بدأ الإمام بالدعاء على الظالم وأعوانه وكل من يناصره ، رفع الجميع أصواتهم بالبكاء والدعاء ، بكى جميع من كان بالمسجد ، حتى خليل لم يستطع كبت دموعه.
خرجنا من المسجد مع الإمام الذي أبى إلا أن يستضيفنا لديه على الإفطار ، فأجابه خليل بأنه ليس صائم ، ابتسم الإمام وقال له :" لا تثريب عليكم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"
قام الإمام بجولته الصباحية المعتادة يتفقد أبناء الحي ويطلع على ما يحتاجونه ، هذه أم احمد تنتظره على باب الدار وتطلب منه بعض حاجياتها فيقوم بتكليف أحد اتباعه بهذه المهمة ويشرح لنا الوضع المأساوي الذي وصلت له حالة أهالي حي الأربعين بحماه ، وكيف استطاع أهالي الحي التكافل مع بعضهم ليسدوا رمق بعضهم البعض وكيف أن بعض المساعدات تأتيهم من جيرانهم في الحي المجاور الذي تقطنه أغلبية مسيحية ، وكيف يقوم شباب الحي بالتناوب على مهام محددة وبشكل منظم ومدروس .
مر الوقت سريعا ، وجاء آذان المغرب ، وكان إفطار شهيا مليئاً بالمحبة والإخاء والتفاني ، واستئذنا مضيفينا لنكمل رحلتنا لنهايتها.
لنسجل موقفا جديدا من مواقفها
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر




من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (6) يوم المجزة
وصلنا إلى مشارف مدينتي إعزاز بتاريخ 15/8/2012 في الساعة الواحدة والنصف تقريبا ، أحسست بأن قلبي سيخرج من مكانه.
لو أشعر بهذا الشعور من قبل ، سمعت الكثيرين يتكلمون عنه ، إنه شعور الحنين ، إنه الشوق للمكان الذي ولدت وترعرعت فيه ، إنه الحنين لخبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي ... أليس هذا ما قاله الشاعر الكبير .... محمود درويش.
وبعد أن وصلنا إلى مركز المدينة سمعنا أصوات انفجارات رهيبة صمت أذاننا، ترجلنا من السيارة ، وركضنا باتجاه الانفجارات وكان واضحاً أن طائرة حربية قصفت مركز مدينة إعزاز ، كانت هناك فوضى عارمة والجميع يركض في الشوارع ، رأينا نساء وأطفال يركضون باتجاهنا ، يصرخون علهم يجدون من يغيثهم.
التفت ولم أجد خليل معي ، تابعت مسيرتي باتجاه الانفجار ، في تلك اللحظات بالذات ، لم أعد أشعر بالزمن ، كأنه توقف ، لا زلت استعيد ذكريات تلك المشاهد تأتي من ذاكرتي كأنها شريط سينمائي أو بالأحرى كابوس لم استطيع أن استفيق منه حتى الآن.
صرخات الجرحى وآهات الأمهات ، دموع الأطفال ، وبكاء الرجال ، رأيت رؤوس تتدحرج على الأرض ، رأيت أشلاء غضة ، أيدي وأرجل وأجساد بدونها، شاهدت طفلا يتلفظ بأنفاسه الأخيرة تحت حطام غرفته ، نظر إلي نظرة مودع ، لم استطع أن أفعل له شيئاً ، حاولت جاهداً أن أرفع الحطام عن جسده الصغير، حتى فارقت روحه جسده الطاهر.
تناثرت دموعي واختلطت بركام منازل مدينتي الصغيرة ، تذكرت أمي ، هرعت لمنزلنا ولكنني لم استطع أن أجده ، لقد اختفى  ، نعم اختفى بكل معنى الكلمة ، لقد أضحى ركام مسجى على الأرض كأنه هشيم تذروه الرياح.
ركعت على الأرض ، أصرخ ، أبكي ، أقول ، يالله .....يالله
حتى لامست جبهتي قاع الأرض ، وما زلت ابحث بين أنقاض منزلنا الصغير علي أجد أحد من أهلي ، إخوتي الصغار ، أبي وأمي ، حتى سحبني جار لنا وقال لي : العوض بسلامتك....إنا لله وإنا إليه راجعون ، ضمني إلى صدره ، فشعرت بأن سوريا جميعها تواسيني.
وقفت على قدمي لأسمع صوت طائرة غادرة تقصف من جديد تجمعا من المدنيين كانوا يحاولون انتشال الجثث من تحت الأنقاض ، ليرتفع بذلك أعداد الشهداء لثمانين شهيدا ، وكان من بين هؤلاء صديق الدرب والسلاح ......خليل
لتنتهي الرحلة ......وتبدأ رحلة جديدة من كفاح الثورة السورية

عاشت سوريا حرة أبية

السوري الثائر