من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (1) رحلة انشقاق
همت على وجهي في سواد الليل أنا وبعض المنشقين عن آلة
التدمير والقتل من اللواء 15 كتيبة الصواريخ التي ارتكبت مجزرة مروعة بحق مدينة
انخل بتاريخ 8/8/2012 ، اتجهنا نحو الجنوب فمنهم من اتجه إلى جاسم ومنهم إلى الشيخ
مسكين ولكن الخيار الأنسب بالنسبة لي هو إلى طفس حيث يقطن رفيق الدرب والسلاح
" خليل"
وصلت إلى طفس حيث استقبلني حاجز للجيش الحر خضعت للتحقيق
،وعندما عرفوا أنني مجند منشق عن كتائب الأسد ،أخبرتهم أنني أقصد منزل صديقي في
طفس الحرة حيث أرشدوني إليه.
عندما شاهدت خليل دمعت عيناي لأنني لم أشعر بالدفء منذ
مدة طويلة منذ غادرت مدينة إعزاز في شمال حلب ، مدينتي الغالية.
كانت سعادة خليل لا توصف عندما شاهدني، استقبلني في
منزله 3 أيام ولكن الشوق والحنين لحضن أمي ألزمني أن أطلب منه أن يساعدني في
العودة لمدينتي المحررة.
وهنا بدأت رحلة لم أتخيل يوما بأنني سأمر بها في حياتي.
من طفس إلى إعزاز ........ ماذا اسميها ؟.......... هل
أسميها رحلة من الثورة السورية ........... أم اسميها رحلة أبطال الجيش الحر
........أم اسميها رحلة مواقف.
ربما كان الاسم الأخير يعكس جزء مما جرى معي في تللك
الرحلة ، لأنني سأركز على المواقف التي تعرضت لها أكثر من أي شيء آخر.
لقد بدى واضحا لي أن الجيش الحر بات يسيطر على أغلب
المناطق الريفية في سوريا ويستطيع التنقل فيها بحرية .
هذا ما وجدته من خلال رحلتي التي استمرت سبعة أيام برفقة
زميل الدرب والسلاح " خليل " الذي حولته الثورة إلى شخص غريب عني أجد
نفسي أحيانا احتاج إلى الكثير من الشرح والتفسير لأغلب المواقف التي تعرضنا لها معاً
في رحلتنا هذه.
لقد بدأت رحلتنا من مستودع مهجور حيث كانت شاحنة صغيرة
بانتظارنا ، فاجئني خليل بالقول أنه علينا أن نركب تلك الشاحنة ونسلك طرقا زراعية
وأن نتجنب الطرقات الرئيسة ، ولكن ما فاجئني أكثر هو حمولة الشاحنة التي كانت تذخر
بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والذخائر وبعض القنابل اليدوية.
أتريد مني أن أركب معك مع كل هذه الذخائر والأسلحة؟!!!
"إذا كنت تريد الوصول إلى بيتك عليك أن تأتي معي"
، بتلك البساطة ومع ابتسامة خفيفة باردة ارتسمت على وجهه الذي بت لا أعرفه ،رغم كل
تلك الذكريات والأيام والليالي الطويلة التي عشناها سويا في حلوها ومرها.
انطلقنا عبر القيافي سويا ، وكانت وجهتنا نحو ريف حمص
إلى مدينة القصير تحديدا ، حيث كان ينتظرنا أحد قادة الكتائب التابعة للجيش الحر
هناك.
استوقفنا حاجز قبل أن نصل إلى مقصدنا ويبدو أنه تابع
لكتبية أخرى غير التي كنا نقصدها ، وطلبوا منا الترجل من الشاحنة ففعلنا، وقالوا
لنا بأننا في ضيافتهم حتى يأتي قائدهم ليعرف منا بالضبط تفاصيل مقصدنا.
كانت هذه الكتيبة مؤلفة من عدد لا يستهان به من شباب
ملتحين وغير ملتحين، سألت أحدهم من أين تأتون بالسلاح؟ فأجابني والانزعاج باد على
وجهه : من أمثالكم .. وغادر مسرعا كأنه لا يريد أن يجيب عن أي سؤال آخر.
هنا التفت إلى صديقي مستوضحا..... فقال لي خليل : عليك
أن لا تتكلم كثيرا هنا.
قلت له ماذا كان يعني ؟؟
قال لي : في المساء سأخبرك كل شيء ....اسكت الآن أرجوك
انتظرت حلول الظلام بفارغ الصبر كي يجيبني خليل عن
تساؤلاتي، وتلقف لهفتي وأومأ برأسه بأنه سيتكلم كما وعدني، ( هذا خليل الذي عرفته
من قبل ).
هؤلاء كتائب منفصلة عن الجيش الحر وغير تابعين له وقد
أقاموا حواجز للتفتيش ، بتلك العبارة بدأ خليل قصته عن موقف من مواقف رحلتنا.
وللرحلة بقية
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر
من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (2) إسلاميون
ولكن!!
لم استطع النوم بسبب ما أخبرني به خليل عن هذه الكتائب
التي استضافتنا ، أيقظته من نومه على عجل ... خليل ... خليل .......... هل ما
أخبرتني به صحيح ، أدار وجهه عني منزعجا على ما يبدو مني لأنني أيقظته وقال لي : في
الصباح سأثبت لك صحة كلامي.
لم يكن صوت الديك ليصحيني لأنني لم أنم بالأساس ، ولم تكن لوجبة الإفطار الشهية التي أعدها لنا
شباب الثورة ،كما سميتهم فيما بعد ، لتنسيني ما كنت أفكر به طول الليل ، وبدأ خليل
الحديث قائلاً:
أخبروا صديقي كيف رمى بكم الزمان لتصبحوا على ما انتم
عليه الآن.
انبرى أحدهم كان جالسا فاسند ظهره للحائط ، ماذا تريد أن
تعرف ؟؟
كل شيء ... كيف شكلتم هذه الكتائب ولماذا سميتموها كتائب
الرحمن ، لماذا لم تسموها كتائب نصرو نشيواتي مثلاً.
ضحك جميع الشباب على وقع شرب الشاي ، ونظروا إلي وقال
قائلهم:
من سيسلح كتيبة بهذا الاسم ، ما رأيك لو سميناها كتيبة
جورج حبش مثلاً ، وضحك الجميع ، ومن ثم قال آخر : أو ريما نسميها كتيبة رياض الترك
،أو إذا بدك منسميها كتيبة زكي الآرسوزي .
قال أحدهم ومن هو هذا الأرسوزي !!.......... قلت له لا
عليك لا عليك أكمل رجاءً..
قال لي الأخير : يا أستاذ .... فضحك الجميع مرة أخرى لما
سماني به ، فقلت له أنا لست أستاذ ، أنا رجل عادي من هذا الوطن ، حلمت مرة بأن
أكون مواطنا وليس مجرد رقم.
ساد صمت للحظات في غرفة شقها ضوء الصباح متسللاً ببطء
لعيوننا بحيث كاد يعميها.
قال أحدهم لنخرج إلى ساحة الدار نكمل حديثنا .
تموضعنا على شكل حلقة وبدأ خليل الحديث كالعادة متصدراً
وأنا أنظر إليه وأقول هل هذا هو خليل الذي أعرفه ، استمر موجها كلامه لما يبدو
قائد الكتيبة .
قل لصديقي ماذا كنت تعمل قبل الثورة .... نظر إلي طويلا
ثم قال : لقد كنت اعمل بالتهريب بين لبنان وسوريا وكنت أهرب الدخان الأجنبي وكان
عملا يدر علي أرباحا جيدة ، ثم ضحك وقال كل واحد منا هنا له قصة مختلفة عن الآخر ،
مثلا أمامك أبو حيان كان من الدفعة الأولى المفرج عنها بالعفو الرئاسي بعد الثورة
، وأبو حمزة كان في الفرقة الحزبية لمدينة القصير .... استمر في الحديث قائلا يوجد
منا مهربين ومنا محكومين سابقين ويوجد أيضا أستاذ مدرسة كان يدرس التربية
الإسلامية هو الآن إمام الكتيبة ، وأردف قائلاً يوجد منا من لا يفارق الكاس ومنا
من لا يفارق السبحة.
وأما عن سؤالك عن تسمية كتيبتنا بتسمية إسلامية فهو
لضرورات التمويل ، فقد ظهر تنافس كبير بين الكتائب على التمويل ، فنحن بحاجة
للسلاح والذخائر ولولاها لا نستطيع الاستمرار بالكفاح المسلح ، وجميع مصادر
التمويل الموجودة على الساحة الآن هي مصادر تمويل إسلامية.
كان لحديث قائد الكتيبة وقعاً مفاجأ في قلبي ، ولقد
انتبه خليل لذلك وحاول تغيير الموضوع قائلاً : نحن نشكر لكم ضيافتنا ولكن علينا أن
ننهي مهمتنا.
فجاء صوت من بعيد كي يقول : عليكم أن تتركوا حصتنا أولا
وهي 10% من حمولتكم، وبعد الكثير من المفاوضات وافق خليل على مضض مقابل جزء من
قيمة الحمولة تم تسديدها له نقداً.
انطلقنا مباشرة إلى مقر أحد كتائب الفرقان في مدينة
القصير ، التقينا شخص يقال له أبو أسعد وهو بطل من أبطال الجيش الحر ، وقام خليل
باستعراض ما لديه من حمولة ، وشاهدت علامات عدم الارتياح على وجه أبو أسعد حيث طلب
منا أن نستريح قليلا ريثما يجري اتصالاته.
قلت لخليل : ماذا يحدث ؟ أريد أن أعرف؟
لا شيء ..... لا شيء
بتلك الكلمات قرر خليل إنهاء الحديث فقررت أن أعرف بنفسي......
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر
من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (3) عرفت نفسي
اتجهت مباشرة إلى قاعة صغيرة كانت الكتيبة قد خصصتها
للاجتماعات وقد كانت فارغة ، جلست فيها انتظر علني أشفي غليلي واعرف ماذا يحدث من
حولي.
دخل رجلا أصلع ملتحي بلحية طويلة سلم عليّ وجلس بجانبي
وابتسم قائلاً :
من وين الأبضاي ( كلمة أبضاي تقال للتحبب بين أفراد
مجموعة ذكورية واحدة وتعني الرجل القوي المفتول العضلات).
قلت له أنني من إعزاز وأنني مجند منشق عن كتائب العصابة
الأسدية .
وهنا برز موقف آخر من مواقف رحلتنا القصيرة.
فهل أنا فعلا مجند منشق؟!!!....... أم أنني فار من
الخدمة .........أم أنني جبان خائف.
تصادمت الأفكار بذهني وسببت لي الإرباك ... إرباك لم
استطع أن أخفيه تحول إلى كلمات دافقة خرجت مني لتفسير ما أنا فيه.
بادئ الأمر هالني ما حدث في انخل درعا من قتل وتدمير حيث
شعرت أن الذي تدمر هو إنسانيتي ، رغم الكثير مما قاله قائد كتيبتنا عن أننا نهاجم
مسلحين إرهابيين عملاء للكيان الصهيوني ( رغم أنه لم يستخدم هذه الكلمة واستعاض
بغيرها) وعلينا تدميرهم وسحقهم وإبادتهم ، ولكن الذي حدث والذي رأيته أننا ( الجيش
العربي السوري ) كنا نقوم بقتل النساء والأطفال ... الشيوخ والشباب ...... الجرحى
والمرضى والمصابين .... وكل شيء يتحرك حتى الحيوانات لم تسلم من نيراننا الغادرة.
كل هذا وذاك دفعني ومجموعة من الشباب إلى الهرب ... نعم
الهرب نحو إنسانيتنا قبل أن تبلعنا هوة الظلام الشيطانية وتحولنا إلى وحوش عبيد
بيد طاغية القرن.
هربنا وفي ذهن كل واحد منا فكره عن هدف هروبه ، هل هو
انشقاق أم فرار أم هو مجرد هروب مجرد من أي أهداف.
بالنسبة لي ظل الهدف غير واضح حتى سألني ذلك الشاب
الجالس بقربي ...وأنت ماذا كان هدفك؟
قلت له ببساطة : لن أكذب عليك لأقول لك بأنني سأنضم
للجيش الحر لأنال الشهادة أو أحقق النصر ، شهادة أدخل بها جنات النعيم فيها الحور
العين ، أو نصر يكلل الغار فوق الجبين ويعطيني منصبا أو حظوة أو تقديرا للجميل.
لقد هربت ببساطة لأنني اشتقت لحضن أمي العجوز التي بكت
وتبكي كل يوم منذ غادرت بيتنا الريفي المتواضع كي التحق بخدمة الوطن.
وطن بات غريبا علي منذ اندلاع الثورة السورية ، فلم يعد يعني
لي مكان يجمعنني بإخوتي وجيراني وأهلي ، فقد اختلف معناه باختلاف أهله.
ابتسم جليسي وقال لي : لا عليك ، كلنا مررنا بتلك
المرحلة مثلك ،وعانينا وتضاربت أفكارنا و تطاحنت ولكن بالنهاية ستجد طريقك بنفسك.
وجدت راحتي عبر كلماته ،ولكن لم تنسني هواجسي حول ما جرى
ويجري بين خليل وبين أبو أسعد أحد قادة كتيبة الفرقان، مما دفعني لسؤال محدثي عما
يجري ، لكي أعرف موقفا آخر من مواقف رحلتنا.
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر
من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (4) تاجر سلاح
تابعت حديثي مع جليسي وقلت له : ولكن أخبرني ما الذي
أزعج أبو أسعد ؟؟
أجابني : ألا تعرف !!! ألست شريكاً لخليل ألم يخبرك ما
حدث؟؟
لا ... لا ...أنا مجرد صديق ، لم يخبرني بشيء
إن صديقيك يريد زيادة الأسعار بشكل كبير ، ولم يلتزم
بكلمته.
سعر ماذا ؟!!!
ألا تعرف !!! سعر شحنة الأسلحة والذخائر
ولكن أليست تلك الأسلحة لكم ؟؟
نعم إنها مخصصة لكتيبة الفرقان ، ولكن خليل يريد زيادة
الأسعار.
لماذا ؟؟ أليس خليل ضمن الجيش الحر.
ضحك محدثي ومن ثم نظر إلي نافثا دخانه باتجاهي ، إنه
تاجر سلاح ، هل تريدني أن اقتنع أنك لا تعلم بذلك!!!
خليــــــــــل!!!!!
إنك مخطأ بالتأكيد ، أنا اعرف خليل جيدا إنه مزارع بسيط
كان معنا في الجيش ،ومن ثم تسرح قبلنا لأنه أنهى مدته ، وهو ليس له أي علاقة بهذا
الموضوع لا من قريب ولا من بعيد ، أرجوك عن ماذا تتحدث ؟؟!!
لا...لا أنت المخطئ وليس أنا ، إننا نتعامل مع خليل منذ
أكثر من ستة أشهر وأنا أوكد لك بأن خليل تاجر سلاح ماهر ولم يخلف معنا موعد من قبل
وقد أمن لنا العديد من الشحنات سابقاً.
غادرت الغرفة مسرعا إلى خليل كي استوضح منه الأمر
شخصياً، حاولت أن أجده ولم استطع ، فتشت جميع الغرف المحيطة في الدار التي كنا
متواجدين فيها ولم أجده.
سألت عنه ليخبروني أنه خرج إلى البساتين المحيطة
ذهبت باتجاهه ، ووجدته مستلقيا تحت شجرة زيتون كبيرة
هل هذا صحيح !!
أجابني وكأنه علم عن ماذا أتحدث : نعم ....نعم أنا تاجر
سلاح ، هذا صحيح.
ولكن .... ألست مع الثورة ... كيف تقوم بهذا العمل!!
إن لم أقم به أنا سيقوم به غيري ... ولماذا هذا
الاستغراب ، إنني مع الثورة ، وبالعكس إنني في كثير من الأحيان أخاطر بحياتي من
أجل أن أؤمن السلاح للكتائب والثوار.
ولكنك تتقاضى ثمن هذه التضحية ، أليس كذلك!!
وما العيب في ذلك ، إنني أيضا أخاطر بحياتي ، أليس من
حقي أن استفيد أيضا.
الجميع هنا يستفيدون ، أليس كذلك.
ساد صمت رهيب ، وقطع صياح أبو أسعد من بعيد ليخبرننا
بأنه وافق على الأسعار الجديدة وبأنه سيستلم الشحنة كاملة.
نفض خليل الغبار عنه وقال لي : علينا أن نكمل رحلتنا ،
لا تفكر بالموضوع كثيراً .
وعند ساعات الفجر الأولى كنا على مشارف حماه ، لكي نكمل
رحلتنا ونسجل موقفا مختلفا تماما من مواقفها.
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر
من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (5) إخاء وتعاون
وصلنا إلى حي الأربعين في حماه ، منذ ساعات الفجر الأولى
، أوقفنا حاجز تابع لأهل الحي ، وبعد أن عرفنا عن أنفسنا ، تم السماح لنا بالدخول
إلى الحي .
اتجهنا مباشرة إلى مسجد الحي ، حيث أقيمت صلاة الفجر ،
جلست وخليل بجانبي في المسجد ننتظر أذان الإقامة، وكان عدد المصلين يفوق الألف
لدرجة أنني ظننت أنها صلاة الجمعة، لم أشعر بهذه الرعشة في جسمي من قبل ، فأنا لا
اعتبر نفسي متدين ، صحيح أنني مسلم ، ولكنني أصلي في المناسبات وفي أيام الجمع
وأصوم من باب العادة ولم أزكي في أبداً، لأنني لم امتلك نصاب الزكاة في حياتي ،
ولا أعرف شيئا عن الحج ، ولكنني أعبد الله لا أشرك به أحداً ، وأشعر بغضب شديد في
حال مست الذات الإلهية في أي حال من الأحوال.
إنني مسلم عادي وأجد معظم أقراني مثلي ، ولكنني في تلك
اللحظات وفي ذلك المسجد شعرت بقوة غريبة تسري في جسدي ، إنها قوة الجماعة ، إنها
قوة الإيمان.
وعندما بدأ الإمام بالدعاء على الظالم وأعوانه وكل من
يناصره ، رفع الجميع أصواتهم بالبكاء والدعاء ، بكى جميع من كان بالمسجد ، حتى
خليل لم يستطع كبت دموعه.
خرجنا من المسجد مع الإمام الذي أبى إلا أن يستضيفنا
لديه على الإفطار ، فأجابه خليل بأنه ليس صائم ، ابتسم الإمام وقال له :" لا تثريب عليكم
يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"
قام الإمام بجولته الصباحية المعتادة يتفقد
أبناء الحي ويطلع على ما يحتاجونه ، هذه أم احمد تنتظره على باب الدار وتطلب منه
بعض حاجياتها فيقوم بتكليف أحد اتباعه بهذه المهمة ويشرح لنا الوضع المأساوي الذي
وصلت له حالة أهالي حي الأربعين بحماه ، وكيف استطاع أهالي الحي التكافل مع بعضهم
ليسدوا رمق بعضهم البعض وكيف أن بعض المساعدات تأتيهم من جيرانهم في الحي المجاور
الذي تقطنه أغلبية مسيحية ، وكيف يقوم شباب الحي بالتناوب على مهام محددة وبشكل
منظم ومدروس .
مر الوقت سريعا ، وجاء آذان المغرب ، وكان إفطار
شهيا مليئاً بالمحبة والإخاء والتفاني ، واستئذنا مضيفينا لنكمل رحلتنا لنهايتها.
لنسجل موقفا جديدا من مواقفها
وللرحلة تتمة
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر
من طفس إلى إعزاز .......... رحلة مواقف (6) يوم المجزة
وصلنا إلى مشارف مدينتي إعزاز بتاريخ 15/8/2012 في
الساعة الواحدة والنصف تقريبا ، أحسست بأن قلبي سيخرج من مكانه.
لو أشعر بهذا الشعور من قبل ، سمعت الكثيرين يتكلمون عنه
، إنه شعور الحنين ، إنه الشوق للمكان الذي ولدت وترعرعت فيه ، إنه الحنين لخبز أمي
وقهوة أمي ولمسة أمي ... أليس هذا ما قاله الشاعر الكبير .... محمود درويش.
وبعد أن وصلنا إلى مركز المدينة سمعنا أصوات انفجارات
رهيبة صمت أذاننا، ترجلنا من السيارة ، وركضنا باتجاه الانفجارات وكان واضحاً أن
طائرة حربية قصفت مركز مدينة إعزاز ، كانت هناك فوضى عارمة والجميع يركض في
الشوارع ، رأينا نساء وأطفال يركضون باتجاهنا ، يصرخون علهم يجدون من يغيثهم.
التفت ولم أجد خليل معي ، تابعت مسيرتي باتجاه الانفجار
، في تلك اللحظات بالذات ، لم أعد أشعر بالزمن ، كأنه توقف ، لا زلت استعيد ذكريات
تلك المشاهد تأتي من ذاكرتي كأنها شريط سينمائي أو بالأحرى كابوس لم استطيع أن
استفيق منه حتى الآن.
صرخات الجرحى وآهات الأمهات ، دموع الأطفال ، وبكاء
الرجال ، رأيت رؤوس تتدحرج على الأرض ، رأيت أشلاء غضة ، أيدي وأرجل وأجساد
بدونها، شاهدت طفلا يتلفظ بأنفاسه الأخيرة تحت حطام غرفته ، نظر إلي نظرة مودع ،
لم استطع أن أفعل له شيئاً ، حاولت جاهداً أن أرفع الحطام عن جسده الصغير، حتى
فارقت روحه جسده الطاهر.
تناثرت دموعي واختلطت بركام منازل مدينتي الصغيرة ،
تذكرت أمي ، هرعت لمنزلنا ولكنني لم استطع أن أجده ، لقد اختفى ، نعم اختفى بكل معنى الكلمة ، لقد أضحى ركام
مسجى على الأرض كأنه هشيم تذروه الرياح.
ركعت على الأرض ، أصرخ ، أبكي ، أقول ، يالله .....يالله
حتى لامست جبهتي قاع الأرض ، وما زلت ابحث بين أنقاض
منزلنا الصغير علي أجد أحد من أهلي ، إخوتي الصغار ، أبي وأمي ، حتى سحبني جار لنا
وقال لي : العوض بسلامتك....إنا لله وإنا إليه راجعون ، ضمني إلى صدره ، فشعرت بأن
سوريا جميعها تواسيني.
وقفت على قدمي لأسمع صوت طائرة غادرة تقصف من جديد تجمعا
من المدنيين كانوا يحاولون انتشال الجثث من تحت الأنقاض ، ليرتفع بذلك أعداد
الشهداء لثمانين شهيدا ، وكان من بين هؤلاء صديق الدرب والسلاح ......خليل
لتنتهي الرحلة ......وتبدأ رحلة جديدة من كفاح الثورة
السورية
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر