في كل مرة يرفع فيها الشعب اللافتات وينادي بأعلى صوته بمطالبه المشروعة (طبعا بنظره) والتي هي بنظر العالم خطر على إسرائيل وعلى استقرار المنطقة ، ولا تلبي مصالح الغرب ، نجد أن تلك المطالب لا تلقى أي صدى في الخارج .
هذا الأمر طبيعي لكل اللذين يدركون حقائق العالم الغربي ، وسعيه جاهدا وراء إرضاء ربيبته التاريخية إسرائيل والصهيونية العالمية.
لكن الأمر الغير طبيعي أن ينادي الثوار بمطالب، وبعد ذلك يخرج علينا من يدعي أنه يمثل الشعب الثائر، ويقول أنه لم يسمع أحدا ينادي بتلك المطالب، ففي إحدى الجمع السابقة كان الثوار ينادون بالحظر الجوي ، فهل فهم هذا الممثل عن الشعب معنى الحظر الجوي ، وهل هو بالفعل يحمل مطالب الثوار في الداخل والخارج إلى أصحاب القرار.
الآن كل الثوار ينادون بتبني الجيش السوري الحر ، والمنطقة العازلة ، والحماية الدولية للمدنيين ودخول المراقبين الدوليين والإعلام ، والمنظمات الاغاثية العاجلة ، ولجان التحقيق الدولية للنظر في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها العصابة الأسدية ، فهل يستطيع هذا الممثل أن يعي هذه المطالب ، وهل يستطيع أن ينادي بها في المحافل الدولية ، نحن لا نطلب المستحيل وإنما نريده وبشفافية مطلقة أن يكون الناطق الرسمي باسم الشعب الثائر ، وإن لم يستطع ذلك أن يعتذر للشعب السوري ، وأن يترك هذه المهمة لمن يكون قادرا على حملها في هذه المرحلة الفاصلة .
الشعب الثائر يعاني ما يعاني في الداخل والخارج والجيش السوري الحر حمل روحه على كفة وآثر الانشقاق، بدلا من قتل المدنيين وفضل الوقوف الى جانب الشعب الأعزل ، فمن الذي يمثل الثوار حقيقة في هذه المرحلة هل هو الجيش السوري الحر؟ ؛ أم أؤلئك الذين يقبعون في فنادق الخمس نجوم ، ويظهرون كنجوم المرحلة، يخطفون الأضواء بتصريحات جوفاء ، لا تسمن ولا تغني من جوع .
إن تجربة الثورة في الشهور التسعة الماضية تنذر بخطر داهم على الثورة وعلى الثوار، بأن التاريخ ربما سوف يعيد نفسه من خلال ، مجاهدة الأشراف في الزود عن حمى الوطن ، الذين يقدمون الغالي والنفيس في سبيل ذلك، ويأتي بعد ذلك من يركب موجة الثورة ويخطفها من أهلها، ونقع في مصيدة السلطة الغير وطنية؛ والتي تتاجر بكل شيء في سبيل إرضاء الخارج والبقاء على كرسي السلطة ، وهؤلاء هم الخطر الحقيقي على الشعب الثائر .
إن من يحقق المكاسب الحقيقية للثورة هم الثوار على الأرض ، وليس اؤلئك؛ و من خلال التضحيات والمثابرة والاصرار ، فهم الذين يصنعون الحقيقة ، و نحن ندرك أن هذا مؤلم جدا وثمنه باهظ ، ولكن الذي ندركه أن خصمنا عصابة عتية تتمتع بعهر أخلاقي ، يساندها كل من لا يريد الحرية للشعب السوري.
وطبيعة المرحلة تقول أن هناك مكاسب حققها الثوار ، وأن هذه المكاسب تحتاج إلى تعزيز ، وأن كل من يدعي خطورة دعم تلك المكاسب ، لا يدرك طريقه في الوصول إلى الهدف المنشود .
طبعا هذا مستغرب أن يصدر من فئة واعية خبيرة ، لكن ربما في مكان ما نستطيع أن نلتمس لها بعض الأعذار ، فعندما يخوض المرء في التفاصيل تغيب عنه الرؤية الاستراتيجية ولو لبرهة ، وبالتالي نحتاج في هذه المرحلة إلى لجنة تخطيط استراتيجي تعمل على تصويب المسار في كل مرحلة من مراحل الثورة ، وتدرس كل المتغيرات على الأرض بحيث تعزز بعضها وتستغني عن بعضها الأخر .
إن المتغير الرئيسي في هذه المرحلة والذي سوف يحدث النقلة النوعية على الأرض، يراه الثوار في الانشقاقات الحاصلة في صفوف الجيش ، لأنها تفقد الأسد توازنه وتخلق معادلة جديدة مكلفة عليه ، والمطلوب من الجميع دون استثناء أن لا تغيب هذه الحقيقة عنه ، وبالتالي فإن دعم الجيش السوري الحر هو أولى أولويات هذه المرحلة ، وكل من يدعي خطورة الانجرار إلى الحل العسكري نقول له: أن هذا الافتراض أصبح وراءنا ، فالأسد تجاوزه من خلال فرض الحل الأمني منذ البداية .
فهل الغليون ومن وراءه المجلس الوطني أقل وعيا لمطالب المرحلة من الثوار؟ .
وهل يحتاج إلى التشكيك في مصداقيته في كل مرة ، حتى يعود إلى رشده ويتبنى مطالب الشعب الثائر؟ .
الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق