كان يوم جمعة عندما انطلقنا،
يحدونا الأمل بسوريا جديدة ، سوريا لجميع السوريين ، سوريا الكرامة والعزة والفخار
، هدفنا بناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية ، قيمنا العدالة ، شعارنا الحرية ، هتافنا
" واحد واحد واحد الشعب السوري واحد" ، هكذا انطلقنا ولأجل هذا اجتمعنا ،
جلنا لا يعرف الآخر ، ولكن الابتسامة على الوجوه تغني عن المعرفة فكلنا سوريون هدفنا
واحد واتجاهنا واحد وشعارنا واحد وهتافنا واحد.
كنت وصديقي نشد إزار بعضنا
البعض، عقدنا العزم على الخروج في ذلك اليوم يوم الكرامة في جمعة إنا قادمون يا دمشق
، نفوسنا تتوق إلى حريتها من نير الطغاة ، تتوق إلى حرية أهلها التي أنهكتهم العبودية
لدرجة أنهم تعودوا عليها ، فأصبحوا يخافون من الانعتاق.
إنه يوم عظيم، ألا ترى معي
ذلك ..... بتلك الكلمات خطونا خطوتنا الأولى .
أجبته :إنه كذلك ، واشتد الهتاف
، واشتعل الحماس ، حتى خلت أن جبال وادي بردى تهدر بصوتها الجبار هتافاتنا وترددها،
ولم أكن الوحيد الذي شعر بذلك ، لأنني رأيت كيف أن الآخرين ينظرون بدهشة إلى تللك الجبال
وهي تردد هتافاتنا كأنها تقول : جبال سوريا معكم وأرض سوريا معكم وأودية سوريا معكم
.............فسيروا على بركة الله ، فالنصر لكم.
بهذه العزيمة سرنا لا نملك
إلا صوتنا الهدار المجلجل ، وصلنا إلى حاجز عسكري ، سمحوا لنا بالمرور ، ازداد عددنا
كلما تقدمنا كنا ننوي الاستمرار إلى دمشق عاصمة الأمويين ، أيدينا بأيدي بعض ، حتى
وصلنا إلى حاجز آخر لم يسمح لنا باجتيازه ، هنا ، ازداد الهتاف وعلت الأصوات وانطلقت
أهازيج الحرية وكنت وصديقي نهتف معاً ، نصفق ، نقفز عاليا في السماء ، نرقص فرحاً ،
فذلك اليوم بالنسبة لنا يوم
عظيم .
نظرت إليه والابتسامة تعلو
وجه ، في تللك اللحظة بالذات غابت الأصوات واختفت ، إلا صوت واحد ، عندها توقف الزمن
، ليس الزمن فقط حتى الأشخاص من حولي لم أعد أراهم ، لقد كان صوت رصاصة ، اخترقت حاجز
الصمت ، كان صوتها رهيب ، تشق طريقها عبر عبق الحرية كي تفسد رائحته الزكية، ظننت أنها
لي ، رصاصة غادرة سوف تنقلني إلى عالما آخر ، ولكنها تجاوزتني لكي تستقر في جبهة صديقي
الشامخة والتي على ما يبدو أسالت لعاب الشيطان كي يسقطها، سقط أرضا وسالت الدماء ،
وتفرق الجمع في كل الاتجاهات ، كأنك أسقط حجر في بركة ماء ، وقفت جامدا بمكاني ، نظرت
إلى الأعلى من حيث جاءت رصاصة الغدر ، وجدت رجل منتصبا على خزان المياه يحمل بندقية
بيديه يضع نظاراته الشمسية ، ينظر باتجاهنا يتفقد فريسته ، فهو صيد ثمين ، لقد اصطاد
حراً تمرد على أسياده، ظننا منه بأنه سيقنع الآخرين بأن يعودوا إلى الحظيرة ، حظيرة
الموت التي عاشوا فيها أربعة عقود .
حملته بيدي العاريتين ،ضرجني
بدمائه ، ضرجته بدموعي ، اختلطت دموع الفرح والحزن ، فرح بالشهيد وحزن على الصديق.
حملناه إلى مثواه الأخير ،
حيث اختلطت المشاعر وتوحدت الروئ ، وازداد عدد المنعتقين التواقين للحرية.
تحية للشهيد محمد شعراوي
عاشت سوريا حرة أبية
السوري الثائر

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق