الأحد، 24 فبراير 2013

هل سيتهافت العالم قريبا لإزالة نظام الأسد؟ د. حسان الحموي


 منذ بداية الثورة و عامة السوريين يتعشمون بتدخل أجنبي على غرار ليبيا ليخلصهم من طاغيتهم ، ونذكر جميعا كيف كان يتبجح وزير خارجية العصابة الأسدية ويقول "سورية ليست ليبيا لعدة اعتبارات وهذا ليس تحليلي".
واضاف المعلم أن "دفع فاتورة الحرب ضد سورية ليست كما هي في ليبيا وهم يعرفون ان لدى جيشنا الباسل قدرات قد لا يحتملون ان تستخدم".
بالتأكيد وليد المعلم كان يدلي بتصريحاته وقتها وهو على علم بالدعم غير المحدود من قبل كل طغاة العالم لرئيس عصابته  ، وهذا ما أكدته الأحداث خلال السنتين الماضيتين من عمر الثورة .

من يمد الثوار بالسلاح النوعي في هذه الايام


مايكل ويس

هذا الأسبوع جدّد مجلس الاتحاد الأوروبي حظره إدخال الأسلحة إلى سوريا لثلاثة أشهر أخرى، مع تعديل طفيف من أجل “دعم أكبر للأسلحة غير القاتلة، ومساعدة تقنية لحماية المدنيين”. وأكّد المجلس كذلك أنّه سوف “يتابع بنشاط العمل الجاري لتقييم ومراجعة، إذا لزم الأمر، نظام العقوبات ضد سوريا بهدف دعم ومساعدة المعارضة”.

هذا القرار، الذي يُنظر إليه على أنّه تسوية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الذي يعارضون بشدّة أي تدخّل عسكري في سوريا وأولئك الذين يفضلّون على نحوٍ غامض حصول مثل هذا التدخّل – بشكلٍ خاص بريطانيا، كان مثله مثل كافة القرارات التي تُتّخذ على مستوى يتخطّى حدود الدول والحكومات، فيجيء متأخراً عدة أشهر، ويكون غير كافٍ بشكلٍ يدعو للضحك. غير أنّ عنصراً إضافياً لإثارة الشفقة في سياسة الجمود والأمر الواقع المتجدّدين، يمكن أن نجده في تطوّر جديد ملحوظ: هو أنّ ثوار سوريا يتلقّون اليوم أسلحة أفضل وبكميات أكبر من بعض اللاعبين في الخارج. فضلاً عن ذلك، فإنّ الطريقة التي يتم بها توزيع تلك الأسلحة، والأطراف التي تُوجّه إليها، تعطي فكرة كبيرة عن أنّ بعض اللاعبين الغربيين أخيراً أذعنوا للخيار العسكري في صراع لم يحظ يوماً بفرصة لخرقه وحلّه بأساليب سياسية أو ديبلوماسية.

في واحدة من القصص التي يُستغرب كيف أنّ الحديث عنها أُهمِل في الحرب الدائرة منذ سنتين في سوريا، بدأت منذ الأول من كانون الثاني أنواع جديدة من الأسلحة بالظهور بكميات كبيرة في محافظة درعا، ولم يسبق للجيش السوري أن استخدم أياً منها في أي وقتٍ سابق. فحتى رأس السنة، لم تظهر في أي أشرطة فيديو خاصة بالمعارضة أسلحة مثل سلاح M60 عديم الارتداد والمضاد للدبابات، وقاذف الصواريخ من طراز M79 Osa، وقاذف الصواريخ من طراز RPG-22، وقاذفة القنابلMilkor MGL/RBG-6. فهذه الأسلحة كلّها استُخدمت في عملية ضخمة جمعت الثوار في بُصر الحرير، وهي بلدة في شمال شرق درعا كانت في السابق في يد النظام. وجرى في هذه المعركة تدمير العديد من الدبابات والـBMP حاملات المقاتلين المدرّعة، وما يميّز هذه الغارة للثوّار عن غيرها، حسبما قال محلّل الأوضاع في سوريا جيمس ميللر من EA Worldview، هو أنّ “المقاتلين لم يبدوا مكترثين بالحفاظ على الذخيرة لهذه الأسلحة”. إذ يميل الثوار الى جمع رصاصات أسلحتهم الكلاشينكوف، ولذلك فإنّ حقيقة أنّهم ينفقون الذخيرة الحية دون تحفّظ لأسلحة أقوى وأحدث صنعاً هي حقيقة جديرة بالملاحظة. وثمة شيء آخر غريب يُلاحظ؛ هو أنّه على خلاف معظم الهجمات الحديثة ضد منشآت النظام، قامت وحدات علمانية أو معتدلة من الجيش السوري الحر بشكل أساسي بشنّ القتال في بُصر الحرير، مع غياب واضح لـ”جبهة النصرة” الموضوعة على لائحة الإرهاب وهي الفرع السوري من “القاعدة”، التي اعتدنا وجودها دوماً في المعارك.

لقد كانت معركة بُصر الحرير هذه فريدة من نوعها ولا تشبه أي معركة أخرى. فقد تابع الثوار خرقهم داخل المحافظة الجنوبية حيث انطلقت حركة التظاهرات ضد النظام بكل حزم وتصميم في آذار 2011. إذ اشتعلت النيران في العديد من حاملات المقاتلين والدبابات في زيزون في شمال غرب مدينة درعا، وقام الجيش السوري الحر بالاستيلاء على دبابات أخرى. ويقترب الثوار من المدينة من الشرق والشمال، ويكادوا يصلون الى حدودها من الجنوب. وفي يوم عيد العشاق، ضربوا حصاراً حول منطقة الصحوة، شرق المدينة، حيث أزالوا قافلة عسكرية كاملة وسلبوا قاعدة جوية، وسرقوا على الأقل واحدة من الـBMP. وبعد أربعة أيام، سيطروا على إحدى نقاط التفتيش على طريق السد، ما منحهم نقطة دخول جديدة الى مدينة درعا في الجنوب الشرقي. ويعتبر ميللر أنّه في حال تمت محاصرة عاصمة هذه المحافظة من قبل المعارضة أو الإستيلاء عليها، سوف تشكّل دليلاً على هزيمة كبيرة للنظام لأنها ستسمح للثوار بالحصول على خط إمداد مباشر من الأردن الى دمشق، حيث تجري عمليات يقوم بها الثوار في الضواحي النائية وفي العاصمة نفسها.

ومن درعا، بدأت هذه الذخائر بالظهور في محافظات أخرى. فوفقاً لإليوت هيغنز، الذي يملك مدوّنة تلاحق خطوة بخطوة أخبار الحرب في سوريا تحت اسم “Brown Moses” والذي كان أوّل من كشف الأسلحة الجديدة في سوريا، ما إن ظهرت الـ RPG-22 و الـ M60 في إدلب، والـRPG-22k ، والـ M79 والـ RBG-6 في الحمرا، والـ RPG-22 والـ M79 في حلب، حتى ظهرت هي نفسها في دمشق. وفي بريد إلكتروني أرسله إلى “NOW” قال هيغنز إنّ علامات من جيوب صاروخ M79، أظهرت أن تاريخ الصنع يعود الى 1990-1991، رغم أن مطلق الصاروخ نفسه أوّل ما صُنع كان عام 1979. غير أنّه يبدو أن هذا لا يزال يشكّل تقدّماً مقارنةً بالـ RPG-7 الشائع استخدامه.

في أحد الفيديوهات، يبيّن الثوار كيف يعمل الـ M79 لإحدى الشخصيات المختصّة بالموضوع: أي الكولونيل عبد الجبار محمد عُكيدي، ممثّل الجيش السوري الحر في الجبهة الشمالية من المجلس العسكري الأعلى. وهو كذلك يخدم بشكل سري في لجنة التسلّح على الجبهة. (كان عكيدي الرجل الأساسي للنائب في تيار المستقبل عقاب صقر، الذي قام في السابق بإرسال أسلحة خفيفة الى سوريا).

وقد وقع كذلك هيغنز على فيديو تدريب يُظهر “لواء الفاروق” يعطي درساً في كيفية التعامل مع بعض معدّات البلقان إلى فرقة “فجر الإسلام”. وجرى تنسيق هذا النشاط تحت رعاية حركة الدمشقيين الأحرار، وهو إئتلاف جديد للثوار يسعى الى توحيد الوحدات الإسلامية في الثورة تحت رئاسة واحدة، باستثناء “جبهة النصرة”. وكتب ميللر في مدونة EA Worldview أنّ “هذه العملية يبدو أنّها بدأت في أواخر شهر تشرين الثاني الماضي لتنضج في أواخر كانون الأوّل، أي تقريباً في الوقت نفسه الذي بدأنا نرى تدفّق الأسلحة الأجنبية. ويبدو أنّ هذا الجهد بدأ في الجنوب، في محافظة درعا، بهدف تحرير دمشق”. ويرجّح ميللر وهيغنز كلاهما بأنّ الأردن وتركيا هما نقطتا الدخول للأسلحة الجديدة، نظراً لزيادة أعدادها في الشمال وفي جنوب سوريا.

هذه الذخائر المضادة للدبابات والمضادة لفرق المشاة التي تُعطى حصراً الى وحدات الثوار غير المتطرّفة، الذين هم أنفسهم يتعهّدون بعزل “القاعدة”، تدلّ إما على مصادفة مذهلة أو على درجة معينة من التسهيل الخارجي. وهنا حقيقة أخرى مهمة، تتمثّل بأن ذخائر M60، وM79، و RBG-6، وRPG-22 ، يستخدمها الجيش الكرواتي.

كرواتيا التي، مع مجموعة من القوى الأوروبية والشرق أوسطية، اعترفت بالإئتلاف الوطني السوري كالممثّل الشرعي الوحيد للشعب السوري، لم تصبح بعد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (سوف تدخل الاتحاد في تموز من هذا العام)، وهي من الناحية التقنية غير ملتزمة بحظر الأسلحة الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي. ولكنّها عضو في مجموعة الدعم تحت اسم “أصدقاء سوريا”: فقد شاركت وزيرة الخارجية الكرواتية Vesna Pusić في المؤتمر الثاني في اسطنبول عام 2012، وعبّرت في وقتٍ سابق عن قلقها من أنّ حقول النفط والغاز التابعة لكرواتيا، في ظل العقوبات والتراجع الأمني، باتت غير نافعة. (قبل نحو عام، أصدرت كرواتيا قراراً بسحب كافة مشاريعها من سوريا، ما جعل شركة النفط الوطنية INA تخسر “مئات ملايين اليورو). كما يمكن أن يكون لدى دولة البلقان الموالية للاتحاد الأوروبي، ولكنّها لا تخضع لقراراته، دافع جيوبوليتيكي حسن للمساعدة على تقويض أحد حلفاء روسيا.

ولكن حتى لو افترضنا أن زغرب لا تؤمّن لا مباشرة ولا بطريقة غير مباشرة هذه الأسلحة الى سوريا، هل يمكن أن يكون أحد تجار الأسلحة غير المعروف حتى الآن- أكان كرواتياً أو غير كرواتي، تابعاً للدولة أو غير تابع لها— يعمل اليوم مباشرة مع وسيط إقليمي يزوّدهم بهذه الأسلحة؟ إذا كان الأمر كذلك كيف تفاوض هذا التاجر لتدبير طرق سهلة نسبياً لإدخال الأسلحة عبر الأردن وتركيا؟

أحد السيناريوهات المعقولة هو أن تكون هذه الأسلحة كلها أتت من ليبيا، التي شكّلت أوّل مزوّد بالسلاح للمعارضة السورية. فيوغوسلافيا السابقة التي تُصنّع الـ M60، والـ M79، جمعتها في السابق علاقات وثيقة مع معمّر القذافي، ومثلها تماماً كرواتيا قبل الثورة الليبية وما أعقبها من تدخّل لحلف الناتو (وبدا أنّ الرئيس الكرواتي السابق ستيبيه ميزيشيه أراد لهذه العلاقات أن تستمر بالرغم من كل شيء).

لذلك فمن المحتمل أن تكون أسلحة الـ وM79، و RBG-6، و RPG-22 هذه بيعت الى ليبيا قبل وقتٍ طويل وكل ما قام به مجلس الانتقال الوطني هو إخراجها من المستودعات لاستخدامها بشكلٍ طارىء في بلد آخر – رغم أنّ ذلك يثر تساؤلات عن السبب الذي دفع الحكومة الليبية الجديدة الى استغراق عام من أجل إرسال مواد ذخيرة ثقيلة الى السوريين بينما اكتفت في السابق فقط في تهريب أسلحة وذخائر خفيفة. ولا يفسّر هذا التصرّف كذلك قرار المجلس الانتقالي تقوية المعتدلين على الجهاديين حسب أسلوب عالي التنظيم، يتفّق فقط في الظاهر مع الشروط الغربية لدعم المعارضة المسلّحة.

وقد حاولتُ جاهداً، على مدى الأيام القليلة الماضية، عبر الهاتف والبريد الإلكتروني أن أستفسر من المسؤول الصحافي والمستشار العسكري في البعثة الديبلوماسية الكرواتية في نيويورك لأرى إن كانا يمكن أن يخبراني عن مصدر أربعة أنواع الأسلحة هذه التي تختّص بها حصراً ترسانة بلدهم. ولكنّي لم أتلق أية إجابة.

أحد المصادر المقربة من الثوار السوريين في واشنطن قال إن كرواتيا “يمكن أن تكون متورطة”، ولكنّه رأى أن نظرية تفريغ المستودعات في ليبيا أكثر إقناعاً، لا سيما أنّ مخزوناً إحتياطياً جديداً من الأسلحة الليبية كان ولا يزال يظهر ويختفي من مالي. وعليه، يعتقد المصدر أنّ حلقات التدريب تدلّ على “تأهيل كامل”، ولأنّ “الناس الذين يحصلون على هذه الأسلحة ليسوا سلفيين ولا من “جبهة النصرة” فإن ذلك يعني أنّ قوة غربية تدير أو تشرف على هذا الجهد المبذول بأكمله”.

في تقاريرها حول تجديد حظر الاتحاد الأوروبي إدخال الأسلحة الى سوريا، نقلت صحيفة The Washinton Post عن ديبلوماسيين في بروكسل ولندن قولهم إنّ Whitehall (لندن) كانت تنوي بالفعل تسليح الثوّار الموثوق بهم والمسؤولين. وفي حين أنكر وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ هذه الادعاءات، قائلاً إنّ حكومته لا تريد سوى “توفير المساعدة والنصح التي مُنعنا من إعطائها قبل”، لكنّه ترك الباب مفتوحاً قليلاً للمزيد من التصرّف. “كان يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك”، قال هيغ.

وكما يبدو، فثمة من ذهب أبعد من ذلك أصلاً.

الأربعاء، 20 فبراير 2013

ما رح نحل عن الفيس الا بإعدام الخسيس


 في السنوات الماضية كان المروجون لصفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك) يتفاخرون بأن موقع التواصل الاجتماعي كان له دورا كبيرا في نشر الفكر الثوري بين ثوار الربيع العربي ، و أن ثوار أول دولة من دول الربيع العربي اعتمدت عليه كثيرا في التخطيط والتنسيق والمتابعة ونقل الاخبار و الحقائق؛ وتعرية الانظمة وتشكيل المجموعات ونشر الافكار الثورية؛ وتوعية العامة؛ وخاصة جيل ما يسمى (الفيسبوكيين).
 وقد نسب الكثير من انجازات الثورة الى الطريقة التي تلقف فيها الثوار التسهيلات المقدمة من تلك الصفحات وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي وتسخيرها لصالح الثورة في جميع دول الربيع العربي  .

الثلاثاء، 19 فبراير 2013

المنعرجات الخطيرة في مراحل الثورة السورية المجيدة د. حسان الحموي



من خلال قراءة سريعة للوضع السوري الداخلي والخارجي نجد أن هناك متغيرات ظاهرية تتطابق مع المبادئ الغربية الغير معلنة والتي تم ترجمتها في قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الاثنين، بتمديد الحظر الذي يفرضه الاتحاد على تصدير الأسلحة إلى سوريا لمدة 3 أشهر إضافية تبدأ في مارس المقبل، موعد انتهاء الحظر.
هذا القرار يمكن مقابلته مع الاستعجال الروسي في ترصيد حساباته بخصوص صفقات السلاح المصدرة للعصابة الأسدية ، واستمرار روسيا في تنفيذ التزاماتها بتوريد السلاح الى سوريا بموجب العقود المبرمة سابقا".

الأحد، 10 فبراير 2013

آخر ما توصل اليه الغرب زرع بذور الفتنة بين فصائل الثورة السورية




بالأمس تفاجئت كما الجميع لمشاهدة فيلم قصير يظهر فيه بعض الشبان وهم يمزقون علم الثورة في سراقب ، و يدعي ناشر الفلم أنه لمجموعة من كتائب النصرة و هم  يمزقون علم الثورة  .
وقبلها كنت أقرأ على صفحات التواصل الاجتماعي بعض المنشورات التي تحرض على الكتائب الاسلامية من باب تبني العلمانية والمدنية ، و منشورات أخرى تنادي بالخلافة الراشدة .
في الوقت نفسه شاهدنا بالتوازي مع ذلك؛ فلم آخر يظهر فيه عناصر من المخابرات يدعون أنهم من جماعة النصرة ، وهم يتلون بيانا بامتلاك جبهة النصرة للأسلحة الكيماوية.

الجمعة، 8 فبراير 2013

سوريا: قراءة إستراتيجية للمشهد العسكري وانعكاساته الإقليمية



الاثنين 23 ربيع الأول 1434 هـ الموافق 4 فبراير 2013 م
عدد الزيارات : 1683
More...emailtwitterfacebook
شهدت الساحة السورية تطورات متسارعة في غضون الأسابيع الستة الماضية؛ وذلك عندما وصلت كتائب الجيش الحر إلى مشارف "السفيرة"، ودرات معارك طاحنة على بعد كيلو مترين فقط من المنشأة العسكرية الأكثر حساسية في البلاد في 21 ديسمبر 2012.
وجاءت هذه المعركة إثر تهاوي فرق النظام، وسقوط قواعده التي ارتكز عليها لتأمين طرق الإمداد، وسيطرة كتائب المعارضة على عدد من القواعد الجوية في المحافظات الشمالية والجنوبية-الغربية، ومن ثم احتدام معارك المطارات، واستهداف القصر الجمهوري بالقصف المدفعي.

وبموازاة حالة التأهب التي أعلنتها القوات المسلحة في جميع الدول المجاورة لسوريا استعداداً للتعامل مع أي صراع كيميائي أو بيولوجي؛ نشرت مراكز البحث الغربية الكبرى مجموعة من الدراسات التي تحذر من ميل الكفة لصالح الجيش الحر الذي غنم في حملته الأخيرة أسلحة إستراتيجية تتضمن: صواريخ بالستية، ومضادات طائرات، ومروحيات قتالية، وعربات مدرعة، ودبابات، ومدفعية متطورة، وكادت كتائبه أن تضع يدها على مخازن أسلحة الدمار الشامل، وحذر الباحثون الغربيون من أن مخاطر حيازة المعارضة لهذه الأسلحة هي أكبر من مخاطر وجودها بيد القوات النظامية.
وسرعان ما استجدت سلسلة تطورات أسهمت في تعزيز موقف النظام وأعاقت تقدم الجيش الحر، ويمكن تحليل أبرز التطورات العسكرية وأبعادها فيما يلي:
تبادل الأدوار: انسحاب الأسطول الأمريكي ودخول البحرية الروسية
بعد تكديس غير مسبوق لسفنها القتالية المصاحبة لحاملة الطائرات (USS Eisenhower)؛ أصدرت القيادة العسكرية الأمريكية في 21 ديسمبر 2012 تعليمات مفاجئة بسحب كامل قطع أسطولها من منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط، مما أثار مشاعر السخط لدى القوى الإقليمية، إذ نقل عن ضابط تركي رفيع قوله: "إن الانسحاب الأمريكي من المنقطة غير مفهوم وغير مبرر"، كما عبرت تل أبيب عن انزعاجها من الانسحاب الأمريكي المفاجئ، وبادرت إلى تأمين حدودها الشمالية مع سوريا والممتدة نحو 57 كم.
أما في واشنطن فقد عقد وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا مؤتمراً صحفياً أشار فيه إلى أن عملية احتواء أي حرب كيميائية أو بيولوجية في سوريا لا تقتصر على أمريكا فحسب؛ بل تقع ضمن مسؤوليات المجتمع الدولي، مؤكداً عدم وجود أي خطط أمريكية لشن عمليات برية في الأراضي السورية وفق تعليمات الرئيس أوباما بإبعاد الجيش الأمريكي عن العمليات القتالية في المنطقة.
وللتأكيد على تنفيذ التعليمات الواردة من البيت الأبيض؛ سلم قائد سلاح البحرية الأمريكي الأدميرال "جوناثان جرينيرت" تقريراً إلى الرئيس الأمريكي بتاريخ 25 يناير 2013، يؤكد فيه تقليص الطلعات الجوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط إلى النصف، لكن مصادر مطلعة تؤكد أن المعلومات المعلن عنها ليست دقيقة؛ إذ إن نسبة تقليص الطلعات الجوية في حقيقة الأمر تتجاوز 70 بالمائة.
وبعيداً عن أي تحليل ينطلق من نظرية المؤامرة التي تفترض وجود ترتيبات مسبقة بين أطراف التنافس الدولي؛ أشارت مصادر أمنية إقليمية إلى أنه من غير الممكن أن تسحب القوات الأمريكية نحو عشرة آلاف مقاتل على متن 17 سفينة حربية، دون الأخذ في الاعتبار تقدم أسطول روسي يتضمن نحو 20 قطعة حربية من أسطول البحر الأسود وعلى متنها عدد كبير من القوات الخاصة الروسية، وذلك في اليوم التالي من إعلان واشنطن سحب قواتها (أي في 22 ديسمبر)، خاصة وأن الأسطول الروسي قد أعلن فور وصوله عن إجراء مناورات بحرية غير مسبوقة شرقي البحر الأبيض المتوسط في 26 ديسمبر، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تجري هذه المناورات بالتزامن مناورات البحرية الإيرانية في الخليج العربي ابتداء من 28 ديسمبر.

وفي حين تعزو بعض المصادر تلك "المصادفات" إلى رغبة واشنطن بتوريط موسكو في الصراع الداخلي الدائر في سوريا؛ يذهب محللون إلى إمكانية وجود تنسيق أمريكي-روسي لمنع انسياب الأزمة السورية وتسببها بحرب إقليمية أو دولية، خاصة وأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن فور رسو الأسطول الروسي في ميناء طرطوس (23 ديسبر) أن الأسلحة البيولوجية والكيمائية السورية أصبحت في مأمن، وذلك في ظل نشر معلومات استخباراتية دقيقة حول كيفية تدخل القوات الخاصة الروسية لتأمين مخازن الأسلحة ومن ثم نقلها إلى مواقع آمنة.
ويأتي هذا الإجراء الروسي للتأكيد لكل من واشنطن وتل أبيب أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع السيطرة على الأوضاع الداخلية في سوريا وكبح جماح النظام من جهة، والتيارات الإسلامية التي يخشى الغرب من تنامي نفوذها من جهة أخرى.
الهجوم المضاد: الخطة الروسية-الإيرانية لتعزيز موقف النظام
آذنت الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر الماضي بانهيار الخطة العسكرية التي وضعها جيش النظام لاستعادة السيطرة على البلاد من خلال استخدام سلاح الجو في قصف مواقع المعارضة المسلحة، حيث سقط مطار تفتناز، وبدأت تنهار القواعد الجوية بالقرب من مطار دمشق الدولي أمام ضربات كتائب المعارضة التي قصفت القصر الجمهوري بدقة ملفتة للانتباه.
وفي هذه الفترة الحرجة بدأت تتعالى أصوات رسمية في بعض الدول المجاورة للتحذير من مخاطرة السقوط المفاجئ لنظام بشار، وذلك في حملة تشويه وسمت كتائب المعارضة بالتشدد، وشبهتها بنظام طالبان، وحذرت من اشتعال الصراع الطائفي في المنطقة بأسرها.
ويبدو أن موسكو كانت الأسبق في استيعاب مخاوف بعض القوى الإقليمية والتجاوب معها؛ حيث تؤكد المصادر أن الرئيس بوتين قد أشرف بصورة شخصية على خطة عسكرية تعيد توازن النظام، وتقوم هذه الخطة على أربعة محاور تتضمن:
1- تعزيز قدرات الدفاع الجوي بصواريخ بالستية لاستهداف قواعد الجيش الحر بعد فشل كل من: سلاح الإشارة وسلاح الجو في تحقيق ذلك.
2- استبعاد المجندين الذين يبلغ قوامهم نحو 70 بالمائة من الجيش عن العمليات القتالية نظراً لصغر سنهم وقلة خبرتهم وعدم ضمان ولائهم، وتجنب إقحامهم في مناطق المواجهات تفادياً لحالات الانهيار الجماعي للقواعد التي يستهدفها الجيش الحر.
3- إعادة تأهيل قوات النخبة وإمداداها بالمعدات والذخيرة والسلاح النوعي، وتشكيل فرق إسناد من عناصر الشبيحة بزي مدني وتكليفهم بمهام داخل المناطق الخاضعة للمعارضة.
4- التركيز على العاصمة دمشق والقطاع الجنوبي-الغربي الذي يتضمن حمص وحوران في المرحلة الأولى، واستنزاف قوات المعارضة في الشمال بالقصف الصاروخي تمهيداً لاقتحامها في المرحلة الثانية، ومن ثم إعادة السيطرة على المعابر الحدودية في مرحلة ثالثة.
وقد عمدت موسكو إلى إجلاء رعاياها من المناطق التي يمكن أن يكونوا فيها عرضة للخطر قبل بدئ المواجهات، كما هرعت طهران لتأمين الإفراج عن أسراها لدى الجيش الحر وذلك ضمن وساطة تركية تضمنت إفراج النظام عن 2130 معتقل سوري مقابل 48 إيرانياً يعتقد أنهم من الحرس الثوري في 9 يناير 2013.

وفي هذه الأثناء كانت موسكو تمد النظام بكميات كبيرة من الأسلحة النوعية التي تهدف إلى تغيير المعادلة العسكرية:
- ففي مطلع شهر ديسمبر قام الروس بتسليم النظام 24 قطعة من صواريخ (Iskandar 9K720) التي قامت بشحنها سفينته الإمداد الروسية (Novocherkasskand Saratov) حيث تم إنزال 12 منصة تحمل كل منها صاروخين. جدير بالذكر أن صواريخ (Iskandar 9K720) تعتبر الأكثر فعالية في المنظومة الروسية إذ تزيد سرعتها عن 1.3 ميل في الثانية، وتبلغ مدى يصل إلى 280 ميلاً، وتحمل رؤوساً متفجرة تبلغ حمولتها 1000 كيلو غرام، وتصيب الأهداف بدقة عالية، كما يمكن أن تحمل رؤوساً بيولوجية وكيميائية وحتى نووية، ولا يوجد في الغرب مضادات لها حتى الآن.
- وفي الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر بدأ جيش النظام في نصب منظومة (Scud-D) الصاروخية المتوفرة لديه بتقنية إيرانية-روسية، كما أكدت مصادر عسكرية غربية دخول منظومات (Fateh-110A) الصاروخية إيرانية الصنع في 26 ديسمبر، والتي تم شحنها من إيران في رحلات سرية عبر الأجواء العراقية، وعلى الرغم من أن سلاح الصواريخ السوري يمتلك تقنية تصنيع هذه الصواريخ والتي يطلق عليها اسم (M-400)؛ إلا أن الخبراء السوريين قد فشلوا في تصنيعها واستخدامها محلياً، مما دفع بالحرس الثوري الإيراني لإرسال شحنة من القطع الأصلية مع مجموعة من الخبراء الإيرانيين الذين أوكلت إليهم مهمة تدريب جنود النظام على استخدامها.
- وفي نهاية شهر ديسمبر قامت موسكو بشحن مجموعة من صواريخ (S-400) الاعتراضية المضادة للصواريخ كرد على قيام حلف الناتو بنشر بطاريات باتريوت في جنوب تركيا.
- وفي مطلع شهر يناير استلم النظام من الحرس الثوري الإيراني قذائف تحوي غازات سامة من الدرجة الثانية، حيث إنها تتسبب في إحداث أضرار بالغة بالجهاز التنفسي وتؤدي في معظم الحالات إلى الوفاة، وقد تم استخدام أول دفعة منها في المواجهات بمدينة حمص حيث زود عناصر من الشبيحة بأعداد منها لإطلاقها في المناطق التي يتم استهدافها من قبل جيش النظام وذلك قبل شروع الجيش في اقتحام هذه الأحياء.
- وفي منتصف شهر يناير رست مجموعة من السفن الروسية في ميناء طرطوس، وعلى متنها معدات ثقيلة تتضمن: عربات مجهزة للقيادة في المناطق الجبلية الوعرة، وبنادق متطورة، وأنواع مختلفة من القذائف والصواريخ، بالإضافة إلى العربات المدرعة وناقلات الجنود.
- أما إيران فقد تولت مهمة تزويد النظام بالذخائر من مختلف الأعيرة، وقطع غيار الدبابات والمدفعية ومنصات إطلاق الصواريخ.
وعلى إثر اكتمال الاستعدادات بدأت عملية الهجوم المضاد في 15 يناير، وذلك بعد إجلاء فرق النظام غير المجهزة واستبدالها بفرق النخبة التي أوكلت إليها مهام قتالية في كل من حمص وريف دمشق وحوران، وتؤكد المصادر أن ضباط الحرس الثوري الإيراني قد أشرفوا بصورة مباشرة على هذا الهجوم المضاد، كما أسهم الخبراء الروس في تحديد أهداف الصواريخ البالستية وإطلاقها.
جدير بالذكر أن التحضير لهذه الحملة المضادة قد تم في غضون الأسابيع الستة الممتدة ما بين 1 ديسمبر 2012 و15 يناير 2013، في ظل قطع معظم إمدادات السلاح والذخيرة عن كتائب الجيش الحر، ولا تزال بعض شحنات الأسلحة رابضة في بعض الدول المجاورة التي ترفض السلطات إرسالها لمقاتلي الجيش الحر.
الاحتواء المزدوج: العمليات العسكرية الاستخباراتية لمنع امتداد الصراع
على إثر تأكد أنباء قيام النظام بخلط مواد كيميائية وتحضيرها للإطلاق؛ طالبت الإدارة الأمريكية جميع دول المنطقة بإرسال رسائل شديدة اللهجة إلى دمشق، وأرسلت في الوقت ذاته رسائل مباشرة إلى قائد الكتيبة (450) بسلاح الجو في جيش النظام ومعاونيه من مغبة إطلاق أي أسلحة كيميائية أو بيولوجية.
وفي 17 يناير أكد وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أن الولايات المتحدة قد أوكلت مهمة مراقبة التحركات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية في سوريا إلى كل من: تركيا والأردن، وعلى الرغم من أنه لم يذكر دور تل أبيب، إلا أن مصادر أمنية تؤكد بأن معظم عمليات مراقبة المواقع السورية قد أسندت إلى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مع الإيعاز لها بالتحرك الفوري في حالة التحقق من وجود خطر محدق.
ويسود الاعتقاد في الأروقة اليهودية أن دمشق وطهران قد تحاولان توريط تل أبيب في مواجهات محدودة لتسجيل نقاط مهمة على صعيد تعزيز مفهوم "المقاومة"، ولفت الأنظار عن جرائم النظام السوري وعملياته في الداخل، كما يمكن لإيران أن تشغل الرأي العام عن ملفها النووي من خلال العمل على تأجيج الصراع الإسرائيلي مع كل من لبنان وسوريا.
وكانت مصادر الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد أكدت أن نظام بشار قد أرسل شحنات من صواريخ أرض-أرض، وكمية محدودة من الأسلحة الكيمائية و البيولوجية إلى لبنان، حيث تم تخزينها في مواقع سرية تحت الأرض بسهل البقاع.
وعلى إثر تسرب تلك الأنباء تحدثت مصادر أمنية في 25 يناير عن وقوع انفجار في مقر للاستخبارات السورية في القنيطرة، وأدى إلى مقتل مسؤولين إيرانيين وعناصر قيادية من حزب الله كانوا في اجتماع مع مسؤولين أمنيين سوريين، وتم نقل الجثث على وجه السرية دون أي تصريح رسمي أو تعليق على الحادث، لكن مصادر غربية أكدت أن العملية قد نفذت من خلال وضع سيارتين مفخختين بالقرب من المقر، وأشارت المصادر أن المشاركين في هذا الاجتماع كانوا يخططون لتفكيك مجموعة من الصواريخ ونقلها إلى الأراضي اللبنانية.
وفي أعقاب ذلك الحادث بادرت تل أبيب إلى نصب ثلاث بطاريات من منظومة "القبة الحديدية" في المناطق الشمالية، وتزامن ذلك مع تصريح لمسؤول يهودي أكد فيه أن عدداً من عناصر "حزب الله" يرابطون على الحدود السورية مع لبنان بهدف استلام وتأمين عدة شحنات يتم تحضيرها للنقل من سوريا إلى لبنان.
وفي هذه الأثناء سارع بنيامين نتنياهو إلى إرسال اللواء "أفيف كوتشافي" إلى واشنطن للتأكيد بأنه إذا حاول بشار تحريك الأسلحة البيولوجية والكيميائية إلى مناطق قريبة من "إسرائيل" أو شحنها إلى "حزب الله" فإن سلاح الجو الإسرائيلي سيتحرك فوراً لمنعه من ذلك، كما أوفد نتنياهو مستشاره للأمن القومي "ياكوف أميدرور" إلى موسكو لتوصيل فحوى الرسالة نفسها إلى بوتين، ويبدو أن هذه الرسائل كانت ممهدة لعملية يوم الأربعاء 30 يناير والتي استهدفت فيها الطائرات الحربية الإسرائيلية أحد مراكز البحث العلمي بريف دمشق، والتي يعتقد أنها تحتوي على صواريخ يتم التحضير لنقلها إلى لبنان، وقد بادر وزير الدفاع الأمريكي بانيتا بتبرير تلك العملية مؤكداً وجود مخاوف أمريكية من محاولة بشار توسيع دائرة الصراع.
الرقص على إيقاع المعركة: تغير المزاج الأمريكي واحتدام الصراع الإقليمي
أكد مصدر أمني في واشنطن أن إدارة أوباما باتت مقتنعة بإطالة أمد الصراع في سوريا لاستنزاف طرفي الصراع، وفي الوقت ذاته يعتقد كثيرون في مجلس الأمن القومي الأمريكي بضرورة بقاء النظام للإبقاء على الأسلحة الكيمائية تحت السيطرة، خاصة وأن خلاف المجتمع الدولي حول الوضع في سوريا قد تسبب في عرقلة الاستعدادات الدولية لاحتواء الفوضى الإقليمية التي يمكن أن تندلع عقب سقوط بشار.
وعلى إثر تشكل الائتلاف الوطني السوري؛ بادرت مجموعة من القوى الداعمة للثورة إلى وضع خطة لتسليح بعض كتائب الجيش الحر شريطة توحيد مختلف الفصائل تحت قيادة عسكرية ذات طابع "معتدل"، وتضمنت قائمة الأسلحة التي سيتم إمداد القيادة الموحدة بها: مضادات للدروع من طراز (9K111)، وصواريخ مضادة للطائرات من طراز (9K43 Strela-3 SA-14) المحمولة على الكتف، بالإضافة إلى قذائف (RPG) المضادة للدروع.
وفي الوقت ذاته وضعت خطط عسكرية لضم مختلف الكتائب المقاتلة في أربع جبهات تخضع لقيادة ضباط منشقين عن النظام، وتم على إثر ذلك إيفاد عدد من الشخصيات العسكرية لإقناع الكتائب المقاتلة بالانخراط في التشكيلات الجديدة، لكنهم فشلوا في تحقيق أي إنجاز يذكر، وذلك بسبب عدم ثقة قادة الكتائب بالضباط الذين تم إيفادهم، وتخوفهم من الدوافع الكامنة خلف خطة التشكيل، خاصة وأن بعض الضباط الموفدين قد انخرطوا في الجدل الدائر حول "تحجيم" العناصر الإسلامية التي تهيمن على العمل المسلح، وأسهموا في حملات التشوية التي وسمت هذه الكتائب بالتطرف، وفي الوقت ذاته لم يكن لها أي دور إيجابي في العمليات العسكرية أو في تزويد المقاتلين بالذخيرة والعتاد.
وعلى إثر سقوط مطار تفتناز بيد مقاتلي المعارضة أجرت عدة مؤسسات بحثية أمريكية دراسات مفصلة عن طبيعة الكتائب المقاتلة التي سيطرت على المطار واستولت على مجموعة من المروحيات والأسلحة الصاروخية، واستنتجت أن جميع هذه الفصائل تنتمي إما إلى "جبهة النصرة" أو التيار "السلفي الجهادي"، أو التيار "الإسلامي المعتدل"، مما أثار مشاعر القلق في كل من واشنطن وتل أبيب من وقوع المزيد من المقاتلات والأسلحة الصاروخية بيد الإسلاميين.
وتزامن مع تلك الأحداث وقوع خلافات بين القوى الداعمة، وسط تراشق الاتهامات بدعم الجماعات المتطرفة، وفشل محاولات توحيد مصادر الدعم في ظل شكوك بمحاولة بعض القوى الاستحواذ والهيمنة، وأدت حالة الخلاف هذه إلى توقف المساعدات عن الجيش الحر، وتشدد بعض الدول المجاورة في توصيل المساعدات، في حين اقتصر الدعم على إغاثة اللاجئين.
وفي هذه الأثناء أبدى بعض المسؤولين الأتراك قلقهم من نية واشنطن قطع سبل إمداد الكتائب المقاتلة، ونزوعهم إلى الحلول الدبلوماسية التي تقتضي الاستعانة بالروس للحد من انتشار التيارات الإسلامية في صفوف المعارضة؛ فبعد تخلي واشنطن عن المجلس الوطني، تؤكد مصادر مطلعة أن الإدارة الأمريكية قد بدأت تتبنى الموقف نفسه تجاه قيادة الجيش الحر لأن ضباطه منفصلون عن الداخل ولم يثبتوا القدرة على توحيد الفصائل المقاتلة أو السيطرة عليها، ولذلك فإنها فقدت الاهتمام بوسائل الحسم العسكري، وبدأت تميل إلى إعادة إحياء اتفاق جنيف من خلال التوصل مع الروس عبر القنوات الدبلوماسية، وهو الأمر الذي يتطلب تعاون النظام في المرحلة الانتقالية.
وفي ظل تسارع الأحداث لا بد من التأكيد على أن مصالح القوى الإقليمية والدولية لا تنسجم بالضرورة مع مسار الثورة أو تعزيزها، إذ إن أولويات هذه الدول تقوم على أساس حماية مصالحها ومنع امتداد الأزمة إلى أراضيها، ولا يزال بعض السياسيين السوريين يقعون في خطأ محاولة إبرام صفقات جانبية مع هذه القوى على حساب مكونات أخرى من الثورة السورية.
وعلى الرغم من أنه من المبكر لأوانه إصدار أية أحكام حول أداء الائتلاف الوطني الذي لم يمضي على تأسيسه أكثر من ثلاثة أشهر؛ إلا أنه من الواضح أن العديد من الحركات السياسية المعارضة لا تزال تركز على خطب ود القوى الخارجية بدلاً من التركيز على الداخل السوري، كما أنها لا تزال عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة إزاء استكمال البنية الأساسية لتمثيل الحراك الثوري في المحافل الدولية، في حين يقصر إدراك الكثير من هذه المجموعات عن استيعاب المعادلات الإستراتيجية التي تحرك الصراع الدولي في المنطقة، ونتيجة لذلك فهي بعيدة كل البعد عن حيازة عناصر القوة المتمثلة في: توحيد الصف، وكسب ثقة القوى الثورية في الداخل، والعمل على توجيهها لصالح مختلف قطاعات الشعب السوري، مما يدفعها إلى تبني مواقف أو إطلاق مبادرات تستند إلى ردود أفعال آنية لا تعكس وعياً بتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.
لقد حاولت الصفحات الماضية تحليل المواقف الإقليمية والدولية إزاء تطور الثورة السورية، إلا إنه لا بد من التأكيد على أن القوى الخارجية لم تشعل نيران الثورة ولا تملك القدرة على وقفها حتى لو أوقفت الدعم عنها؛ ففي فترة انقطاع المساعدات العسكرية خلال الشهرين الماضيين غنمت الكتائب المقاتلة مجموعة من الأسلحة الإستراتيجية التي لم تكن في حوزتها من ذي قبل، وتمكنت من تحقيق مكاسب كبيرة كالسيطرة على مطار تفتناز، وإفقاد النظام نحو 20 بالمائة من مقاتلاته وشل قدراته القتالية في سلاح الجو، والسيطرة على مواقع إستراتيجية في حلب وفي دير الزور، وتنفيذ عمليات نوعية في دمشق وفي محيط مطارها الدولي، ولا تزال الكتائب المرابطة في حمص وحوران وريف دمشق صامدة أمام الخطة الروسية-الإيرانية وهي تقارع الصواريخ البالستية ببسالة ملفتة للانتباه.
يدعونا ذلك للتأكيد على أن الثورة السورية قد قامت منذ الأيام الأولى لاندلاعها على أكتاف شعب أعزل يواجه آلة القمع المتجذرة، وقد نجحت هذه الثورة في إرباك الحسابات الإقليمية والدولية، وأعادت فرز التحالفات الإستراتيجية في المنطقة، وعلى الرغم من هذه الإنجازات الشعبية والعسكرية؛ إلا أن الحراك الثوري لا يزال بحاجة إلى تمثيل سياسي يتسم بالاحترافية ويمتلك القدرة على ممارسة الدبلوماسية الدولية مع الكبار.